للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المنجم دجال كالكاهن]

قال الشارح رحمه الله: [فإن قيل: المنجم قد يصدق، قيل: صدقه كصدق الكاهن يصدق في كلمة ويكذب في مائة، وصدقة ليس عن علم، بل قد يوافق قدراً فيكون فتنة في حق من صدقه، وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَعَلامَاتٍ} [النحل:١٥ - ١٦] فقوله: (وعلامات) معطوفاً على ما تقدم مما ذكره في الأرض، ثم استأنف فقال: {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل:١٦]، ذكر ابن جرير عن ابن عباس بمعناه.

وقد جاءت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بإبطال علم التنجيم، كقوله: (من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد).

وعن رجاء بن حيوة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن مما أخاف على أمتي التصديق بالنجوم، والتكذيب بالقدر، وحيف الأئمة) رواه عبد بن حميد.

وعن أبي محجن مرفوعاً: (أخاف على أمتي ثلاثاً: حيف الأئمة، وإيماناً بالنجوم، وتكذيباً بالقدر) رواه ابن عساكر وحسنه السيوطي.

وعن أنس رضي الله عنه مرفوعاً: (أخاف على أمتي بعدي خصلتين: تكذيباً بالقدر، وإيماناً بالنجوم)، رواه أبو يعلى وابن عدي والخطيب في كتاب (النجوم)، وحسنه السيوطي أيضاً.

والأحاديث في ذم التنجيم والتحريم منه كثيرة.

[قال الخطابي: أما علم النجوم الذي يدرك من طريق المشاهدة والخبر الذي يعرف به الزوال، وتعلم به جهة القبلة: فإنه غير داخل فيما نهي عنه، وذلك أن معرفة رصد الظل ليس شيئاً بأكثر من أن الظل مادام متناقصاً، فالشمس بعد صاعدة نحو وسط السماء من الأفق الشرقي، وإذا أخذ في الزيادة فالشمس هابطة من وسط السماء نحو الأفق الغربي، وهذا علم يصح إدراكه بالمشاهدة، إلا أن أهل هذه الصناعة قد دبروها بما اتخذوا له من الآلات التي يستغني الناظر فيها عن مراعاة مدته ومراصدته.

أما ما يستدل به من النجوم على جهة القبلة: فإنها كواكب رصدها أهل الخبرة بها من الأئمة الذين لا نشك في عنايتهم بأمر الدين ومعرفتهم بها، وصدقهم فيما أخبروا به عنها، مثل أن يشاهدها بحضرة الكعبة، ويشاهدها على حال الغيبة عنها، فكان إدراكهم الدلالة منها بالمعاينة، وإدراكنا ذلك بقبول خبرهم، إذ كانوا عندنا غير متهمين في دينهم، ولا مقصرين في معرفتهم.

ا.

هـ].

هذا ليس بقاصر عليهم، بل كل عاقل إذا نظر إلى ذلك أدركه وعرفه، فليس معنى ما سبق أنه متوقف عليهم، وإذا أخبروا وجب قبول خبرهم، بل يجب أن يُنظر ويُسبر الحال؛ لأن الأمر واضح وجلي، وكل من له عقل وفكر ونظر يدرك هذا.