للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سبب تقديم البخاري كتاب (بدء الوحي) على كتاب (الإيمان)]

السؤال

هل بين الإيمان والتوحيد عموم وخصوص، علماً بأن الإمام البخاري رحمة الله عليه في صحيحه جعل كتاب الإيمان بعد كتاب بدء الوحي، وفي آخر صحيحه أتى بكتاب التوحيد؟ والمقصود: أن تشرحوا لنا -بارك الله فيكم- الارتباط بين الإيمان والتوحيد؟

الجواب

أولاً: البخاري رحمه الله من أفقه الناس، وهذا الترتيب الذي رتب به صحيحه هو الترتيب الذي ينبغي أن يكون؛ لأن الإيمان والتوحيد لا يكون إلا بالوحي، فهو بدأ بالوحي أولاً ثم بالعلم؛ لأن العلم لابد منه، وأتى بالإيمان بعد ذلك؛ لأن الإيمان يكون بالوحي.

وأما كونه أخر كتاب التوحيد إلى آخر الصحيح فهو أراد شيئاً آخر، وهو: أن الرسول صلى الله عليه وسلم بين كل ما يلزم الناس في دينهم، وفي ذلك يرد على أهل البدع المخالفين، من مرجئة ومعتزلة وجهمية وغيرهم، فهو قصد هذا، ولهذا ختم كتابه بحديث: (كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان)، وإذا تأمل الإنسان ذلك علم وعرف فقه هذا الرجل رحمه الله، ورسوخه فيه.

وهناك ارتباط بين الإيمان والتوحيد، فلا يوجد توحيد بلا إيمان، ويجب أن يكون مقيداً بالكتاب والسنة، فالتوحيد أخذاً من أن العبادة تكون واحدة لواحد، كما قال ابن القيم: كن واحداً لواحد في واحد أعني: طريق الحق والإيمان (كن واحداً) يعني: أنت واحد، (لواحد) يعني: اجعل عبادتك وأفعالك لله، كما قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:١٦٢]، (في واحد) يعني: في طريق واحد الذي هو طريق الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال: (أعني: طريق الحق والإيمان) فسواء قلت: إيمان أو توحيد فكله سواء، إلا أن التوحيد أخص منه في المعنى.