العبادة يجب أن تكون خالصة لله، وأن تكون العبادة بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا هو معنى:(أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله)، فشهادة (أن لا إله إلا الله) يعني: أني لا أعبد إلا الله وحده، وكل معبود من دون الله أكفر به وأتبرأ منه، ومعنى (أشهد أن محمداً رسول الله) أني أتيقن يقيناً أنه رسول من الله جاء بالشرع، وأني لا أعبد الله إلا بالشرع الذي جاء به، فهو الذي بلغني شرع الله وهو الذي أكرمه الله جل وعلا بالرسالة، فهو رسول يطاع ويتبع وليس له من الألهية شيء، فلا يعبد الله إلا بما شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم وجاء به، فمعنى شهادة أن محمداً رسول الله طاعته في أمره واجتناب ما نهى عنه، وأنه رسول مكلف من الله بإبلاغ الرسالة وليس له من العبودية شيء، كما أمره الله جل وعلا أن يبلغ هذا فقال له:{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}[الكهف:١١٠]، وهذا هو أصل دين الإسلام الذي لا يجوز لمسلم أن يكون جاهلاً به، وهو الذي يسأل عنه الإنسان في القبر، فكل مقبور إذا دفن في قبره يأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من كنت تعبد؟ وبأي شيء تعبد؟ ومن الذي جاءك بالعبادة؟ ومن أين أخذت العبادة؟ فكل إنسان يسأل هذه الأسئلة الثلاثة التي هي: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فمعنى:(من ربك)؟ أي: من الذي تعبده؟ ومعنى:(ما دينك)؟ أي: ما هو الذي تتعبد به؟ وهل كنت تخلص الدين لله جل وعلا؟ و (من نبيك)؟ معناه: ممن أخذت العبادة؟ ومن هو الذي اتبعته في العبادة؟ فإذا كان موقناً مؤمناً أجاب الجواب الصحيح، وقال: ربي الله، وديني الإسلام، والذي جاءنا بالشرع هو رسول الله محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، وهل يسكتان عند ذلك؟
الجواب
لا.
وإنما يقولان: وما يدريك؟ أي: ما دليلك؟ فيقول: قرأت كتاب الله وآمنت به، فعند ذلك يقولان له: قد علمنا فيفتح له باب إلى الجنة، ويقولان له: انظر إلى مكانك في الجنة، فإذا رآه قال: دعاني أذهب إليه، فيقولان: نم وأنت ذاهب، فعند ذلك يدعو ويقول: يا رب! أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومنزلي.
أما إذا كان مرتاباً أو شاكاً أو مقلداً فإنه يتلعثم ويقول: هاه هاه لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته، فيضربانه بمطرقة من حديد، ويلتهب عليه قبره ناراً، ويضيق عليه قبره حتى تختلف عليه أضلاعه، ويفتح له باب إلى النار، ويقال: انظر إلى منزلك، عند ذلك يقول: يا رب! لا تقم الساعة؛ لأنه يعلم أن ما بعد وقته هذا أشد منه.
والمقصود: أن هذا يسأل عنه كل مقبور بالغ من ذكر وأنثى، فكل بالغ يسأل عن هذا الشيء، فإن كان متيقناً فهذا الذي يقول الله جل وعلا فيه:{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}[إبراهيم:٢٧]، وإن كان مرتاباً فهو ظالم لنفسه، حيث ترك أمر الله ولم يهتم به.