[أهمية الإخلاص في الدعوة إلى الله جل وعلا]
قال الشارح رحمه الله: [قال المصنف رحمه الله تعالى: فيه مسائل، ومنها: التنبيه على الإخلاص؛ لأن كثيراً ولو دعا إلى الحق فهو يدعو إلى نفسه].
هذا مأخوذ من قوله: ((أي: أن الدعوة يجب أن تكون خالصة لله.
ويقول: إن كثيراً من الدعاة وإن أظهر أنه يدعو إلى الحق فإنه في الواقع يدعو إلى نفسه، وهذا أمر قد تنطوي عليه النية فلا يُدرى، والله جل وعلا هو الذي يحاسب ولكن الأمور غالباً تظهر، فالأمور التي تكون باعثة على العمل قد تظهر من فلتات اللسان ومن تصرف الإنسان، ولهذا يظهر الرياء ومداراة الناس وغيرها.
فكثير من الناس إذا سمع أو رأى من هذه طريقته قال: هذا مراءٍ، أو: هذا يدعو إلى غير الله، وهذا مما ظهر له، وإن كان الإنسان يتخيل أن هذا يخفى، والله جل وعلا هو الذي يحاسب الإنسان على نيته، فإذا كان الإنسان -مثلاً- يريد الظهور على الناس بأن يكون رأساً فيهم يشار إليه، أو يقال: إنه عالم.
أو: إنه يحسن الكلام أو يحسن الدعوة وما أشبه ذلك من الثناء إن كان يريد ذلك فبئس ما أراد، وهو يدعو إلى نفسه، وهي دعوة فاشلة، والغالب أنه لا ينتفع بدعوته، وقد ينتفع به غيره، كما جاء في الحديث، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل يؤتى به فيلقى في النار فتندلق أقتابه فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع عليه أهل النار فيقولون: يا فلان! ألم تكن تأمرنا المعروف وتنهانا عن المنكر؟ فيقول: بلى.
كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه)، فهذا هو أشقى الناس بدعوته.
لهذا يقول الحسن البصري رحمه الله: (أشقى الخلق رجلان: أحدهما: رجلٌ جمع مالاً فشقي به وسعد به غيره، فيرى الذي سعد بماله يوم القيامة فيتحسر ويقول: كيف سعد بمالي وأنا شقيت به؟! والآخر: رجل تعلم علماً فانتفع به غيره وشقي هو به).
فلا يجوز للإنسان أن يكون هو أشقى الخلق بدعوته أو بعلمه.
والإنسان قد لا يملك الهداية، فعليه أن يعود إلى الله جل وعلا، ويتعلق برجائه ودعائه دائماً، ويبتهل وينطرح بين يديه أن لا يكله إلى نفسه، فإن نفس الإنسان ضعيفة، كما قال جل وعلا في آخر سورة الحشر: {كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ} [الحشر:١٥ - ١٧]، فالشيطان الذي جاء بصورة ناصح للإنسان، لما كفر وتورط بكفره تبرأ منه، ويقول الله جل وعلا: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الحديد:١٧]، وليس المراد من هذه الآية نزول المطر ونبات الأرض، بل الآية أعم من ذلك، فالله جل وعلا يحيي بالعلم الميت بالجهل والكفر بعد ما كان ميتاً، كما أنه يميت من كان حياً بالعلم والتقى، فقد يتبدل علمه ويكون غير نافع، فيصبح عاصياً لله جل وعلا.
والمقصود أن الدعوة يجب أن تكون خالصة لله، وليست الدعوة فقط، بل كل الأعمال التي يراد بها الآخرة يجب أن تكون خالصة لله، فلا يراد بها أمر آخر، لا زيادة مال، ولا رفعة على الناس، ولا جاه، ولا غير ذلك.
فإن جاء الاشتراك في العمل الذي يرجى به الثواب فإن هذا الاشتراك بهذه النية يبطل ذلك العمل، وهنا يقول: فيه التنبيه على أن الدعوة يجب أن تكون لله جل وعلا خالصة، فإن كثيراً ممن يدعو إلى الحق في الظاهر يدعو إلى نفسه في الواقع، كأن يدعو إلى أن يكون له أنصار وأتباع كثيرون، وكأن يدعو -مثلاً- ليكون منافساً لمن يراه داعياً فقط، وليكون كلامه أحسن من كلام غيره ويستطيع أن يرد عليه، وما أشبه ذلك من الأغراض السيئة.