[الدعوة إلى الله جل وعلا يجب أن تكون خالصة له سبحانه وتعالى]
[الثانية: التنبيه على الإخلاص؛ لأن كثيراً من الناس لو دعا إلى الحق فهو يدعو إلى نفسه].
هذا مأخوذ من قوله: {أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ} [يوسف:١٠٨]، فقوله: ((إلى الله)) يدلنا على أن الدعوة يجب أن تكون لله، ولا تكون للأنفس ولا للمصالح ولا لغير ذلك، فهنا يقول: فيه التنبيه على وجوب الإخلاص في الدعوة؛ لأن كثيراً من الناس وإن كان ظاهر دعوته أنها إلى الله فهي إلى نفسه، كأن يريد -مثلاً- أن يتبوأ منصباً عندهم، أو أن يعرفوه، أو أن يقال: إنه عالم.
أو إنه داعية.
أو ما أشبه ذلك مما هو من حظوظ النفس؛ لأن النفس تحب الترأس، وتحب أن ترتفع على الناس وأن يكون لها مقام في قلوبهم، فإذا كان الإنسان يريد هذا الأمر فبئس ما أراد، وستكون دعوته إلى نفسه، وإذا وقف بين يدي الله فسوف يكون ممن ذكر في الحديث الذي في الصحيح: (أول من تسجر بهم النار ثلاثة: رجل قتل في سبيل الله، والآخر أنفق أمواله في سبيل الله -يعني: في الظاهر- وعالم أو متعلم، فيؤتى بالعالم ويقرر بنعم الله عليه، فيقول الله جل وعلا: ماذا صنعت؟ فيقول: يارب! تعلمت فيك العلم وعلمته.
فيقول الله: كذبت.
وتقول: الملائكة كذبت.
ولكنك تعلمت ليقال: هو عالم، فقد قيل.
فيؤمر به فيسحب إلى النار)، فهؤلاء ثلاثة أعمالهم من أفضل الأعمال، المجاهد والمتصدق والمتعلم (فيؤتى بالمجاهد الذي قتل في سبيل الله -في الظاهر- فيقرره الله جل وعلا بنعمه فيقر بها، فيقول الله: ماذا عملت؟ فيقول: يا رب! بذلت نفسي في سبيلك حتى قتلت في سبيلك.
فيقول الله: كذبت -والله علام الغيوب يعلم ما في قلبه وما في نيته- ولكنك قاتلت ليقال: هو جريء، هو شجاع.
فقد قيل) يعني: قد لقيت أجرك وأخذت نصيبك من العمل، وهو قول الناس وقول الناس قد ذهب وانتهى.
(ويؤتى بالذي تصدق فيقول الله جل وعلا: ألم أنعم عليك؟ ألم أصح بدنك؟ ألم أهبك المال؟ فيقول: بلى يارب.
فيقول: ماذا عملت؟ فيقول: يارب! ما تركت طريقاً من طرق الخير إلا بذلت فيه المال وأنفقته في سبيلك.
فيقول الله: كذبت، ولكنك بذلت ليقال: هو جواد، هو كري.
وقد قيل، فيؤمر به فيسحب إلى النار) هؤلاء الثلاثة هم أول من تسجر بهم النار -نسأل الله العافية- قبل عباد الوثن؛ لأنهم في الواقع صارت مراءاة الناس والنظر إليهم أعظم عندهم من الله، فهذا الإنسان الذي يدعو ويريد أن يظهر أمام الناس بأنه داعية وأنه عالم وأنه متكلم يستطيع البيان وأنه ذو مقدرة فإنه في الواقع يدعو إلى نفسه لا يدعو إلى الله، وإنما الشيء الذي ينفع ويجدي إذا كان الأمر خالصاً لوجه الله جل وعلا، ومن سنة الله جل وعلا أن المرائي ينكشف، وأن كلامه لا يجدي شيئاً، وأنه لا يدخل القلوب ولا ينفع، وهذا في الغالب وإلا فقد ينفع؛ فإنه جاء في الحديث: (يؤتى بالرجل فيلقى في جهنم فتندلق أقتابه فيدور حولها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع عليه أهل النار، فيقولون: ما بالك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى.
كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه) فقد انتفع به، لكنه كان هو المتضرر، فأشقى الناس هو الذي يضل بعلمه وينتفع بعلمه غيره، كالذي يجمع المال من أوجه حرام ويمنع حق الله فيه، ثم يرثه بعده غيره فيطيع الله فيه فيدخل بهذا المال الجنة، والذي جمعه يدخل به النار، فكيف تكون حسرة هذا يوم القيامة وهو يرى غيره قد سعد بماله وهو شقي به؟! هذا كالذي يرى أن غيره سعد بعلمه وهو شقي به، فهؤلاء يتحسرون حسرات عظيمة جداً، بل أشد الناس حسرة هو من كان بهذه المثابة.
فالواجب على العبد أن يخلص أعماله لله في كل ما يعمل، والدعوة من أعظم الأعمال وأفضلها.