قال الشارح رحمه الله تعالى:(الدعاء سلاح المؤمن وعماد الدين ونور السماوات والأرض) رواه الحاكم]: هذا الحديث أيضاً ضعيف؛ ولكن مثلما قلنا: ليس هذا للاعتماد وإنما هو للاعتضاد، يُعتضد به ولا يُعتمد عليه.
قال الشارح رحمه الله تعالى: [وقوله: (سلوا الله كل شيء حتى الشسع إذا انقطع) الحديث]: والشسع هو: ما يدخل فيه إصبع الرجل من النعل إذا انقطع، وكذلك السير الذي يكون فوق القدم إذا انقطع، يسأل الإنسان ربه إصلاحه أو بدله، والمعنى: أنه يسأل كل شيء، وجاء في كلام السلف أنهم يقولون:(اسأل ربك حتى ملح العشاء)، والمعنى: اسأل ربك كل شيء، وكل ما تريده وتحتاجه، فتوجه إلى ربك في طلبه جلَّ وعلا؛ لأنه هو الذي يملك كل شيء، أما الخلق فهم لا يملكون شيئاً ولا يتحصل على أيديهم لك إلَّا ما أراده الله جلَّ وعلا، فهو الذي يسخرهم ويجعلهم أسباباً، وسؤاله يهيئ هذه الأمور كلها، فيكون عبادة، ويكون الإنسان ممتثلاً لأمر ربه جلَّ وعلا في ذلك ومطيعاً وعابداً، ويكون في حصول ذلك قد جاء من الطريق الصحيح الشرعي؛ لأن الرزق منه ما هو من طريق محرم فيكون الإنسان معاقباً عليه، ومنه ما هو من طريق شرعي يُثاب عليه الإنسان ويُحمد على فعله.
قال الشارح رحمه الله تعالى: [وقال ابن عباس رضي الله عنهما: أفضل العبادة الدعاء، وقرأ:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}[غافر:٦٠] الآية رواه ابن المنذر، والحاكم وصححه]: يعني: أفضل العبادة: الدعاء.
قال الشارح رحمه الله تعالى: [وحديث: (اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلَّا أنت المنان) الحديث]: الأحاديث في هذا الباب كثيرة جداً، وجاء بهذا الحديث ليبين أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان كثيراً ما يسأل ربه ويستغفره ويتوب إليه، ولا يفتر عن ذلك صلوات الله وسلامه عليه، ويأمر الناس ويحضهم على هذا.
قال الشارح رحمه الله تعالى: [وحديث: (اللهم إني أسألك بأنك أنت الله لا إله إلَّا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤاً أحد)، وأمثال هذا في الكتاب والسنة أكثر من أن يُحصر في الدعاء الذي هو السؤال والطلب، فمن جحد كون السؤال والطلب عبادة؛ فقد صادم النصوص وخالف اللغة واستعمال الأمة سلفاً وخلفاً.
وأما ما تقدم من كلام شيخ الإسلام وتبعه العلامة ابن القيم رحمهما الله تعالى من أن الدعاء نوعان: دعاء مسألة، ودعاء عبادة، وما ذُكِر بينهما من التلازم وتضمُّن أحدهما للآخر، فذلك باعتبار كون الذاكر والتالي والمصلي والمتقرب بالنسك وغيره طالباً في المعنى، فيدخل في مسمى الدعاء بهذا الاعتبار، وقد شرع الله تعالى في الصلاة الشرعية من دعاء المسألة ما لا تصلح الصلاة إلَّا به، كما في الفاتحة وبين السجدتين وفي التشهد، وكذلك دعاء العبادة كالركوع والسجود، فتدبر هذا المقام يتبين لك جهل الجاهلين بالتوحيد]: كونه هو العبادة: كالركوع والسجود، أما دعاء المسألة فمثل:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}[الفاتحة:٥ - ٦](اهدنا): هذا دعاء مسألة، {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}[الفاتحة:٦]، وكذلك قوله:(رب اغفر لي وارحمني واهدني) إلخ، فهذا دعاء مسألة، وكذلك ما يقال في آخر التشهد:(أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر) إلخ، فهو دعاء مسألة، ودعاء العبادة في الصلاة أكثر.
قال الشارح رحمه الله تعالى: [فتدبر هذا المقام يتبين لك جهل الجاهلين بالتوحيد، ومما يبين هذا المقام ويزيده إيضاحاً: قول العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيَّاً مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}[الإسراء:١١٠] وهذا الدعاء المشهور أنه دعاء المسألة، قالوا: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه ويقول مرةً: (يا الله) ومرةً: (يا رحمان) فظن المشركون أنه يدعو إلهين، فأنزل الله هذه الآية، ذكر هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما]: الآية: {ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ}[الإسراء:١١٠] يعني: أنك إذا دعوت الله باسم من أسمائه فأنت على حق وصواب وعابد لله جلَّ وعلا.