قال الشارح: [قال الحافظ: اتفقوا على تحريم النذر في المعصية، وتنازعوا: هل ينعقد موجباً للكفارة أم لا؟ وتقدم.
وقد يستدل بالحديث على صحة النذر في المباح، كما هو مذهب أحمد وغيره يؤيده: ما رواه أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وأحمد والترمذي عن بريدة:(أن امرأة قالت: يا رسول الله! إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف، فقال أوفي بنذرك)].
هذه المرأة نذرت لما غزا الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته إذا رجع أن تضرب على رأسه الدف، والضرب بالدف إذا لم يصحبه مزمار أو غناء أو طرب أو ذكر محاسن النساء أو ذكر مثالب الناس، أو إطراء في المدح وخروج عن الواقع فإنه يكون مباحاً، أما إذا صحب بشيء من هذه الأمور فهو يخرج من الإباحة إلى المحرم.
فلما رجع أخبرته بأنها نذرت أن تضرب على رأسه الدف إذا رجع، فقال:(أوفي بنذرك) وهذا أمر مباح.
فإذاً يدل ذلك على أن النذر يصح لأمر مباح، مثل أن ينذر أن يخرج ليتفرج في الجبال والأودية أو في البحر، وينذر مثلاً أن يأكل كذا وكذا أو ينذر أن ينام كذا وكذا في ساعة كذا في مكان كذا إذا لم يتضمن ترك واجب فإنه يكون مباحاً، فالعلماء يرون أن مثل هذا لا يلزم الوفاء به، وإنما يباح الوفاء به، ولو ترك ليس عليه شيء، ولهذا قسموا النذر إلى أقسام خمسة: واجب الوفاء به، ومحرم الوفاء به، ومستحب أن يفي به، ومكروه أن يفي به، ومباح مستوي الطرفين، ومثلوا للمباح بمثل هذا.
أما الواجب والمحرم فسبق كما في الحديث، وأما المستحب فما كان فعله مستحباً وليس لازماً، وأما المكروه فما كان فعله مكروهاً، مثل أن ينذر أن يطلق زوجته بدون مناسبة فهذا مكروه، والمكروه والمحرم عند بعض العلماء إذا لم يف به ففيه كفارة يمين، وكفارة اليمين إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فإن لم يجد ذلك انتقل إلى الصيام، فالصوم لا يذهب إليه إلا إذا لم يجد الكسوة أو الإطعام أو العتق، أما أن يصوم من أول الأمر وهو يقدر فصيامه غير صحيح ولا يكون ذلك مكفراً عن يمينه ولا عن نذره، لأنه ترك ما أمر الله جل وعلا به، فإن الله جل وعلا أمر أولاً بالعتق أو الكسوة أو الإطعام، قال:{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ}[المائدة:٨٩] فجعل الصيام مرتباً على عدم الوجود.