للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الوصية بحفظ الأيمان]

قال المصنف رحمه الله: [فيه مسائل: المسألة الأولى: الوصية بحفظ الأيمان].

الوصية بحفظ الأيمان؛ لأن الله جل وعلا يقول: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة:٨٩] وعرفنا معنى حفظ الأيمان، إما أن الإنسان لا يحلف خوفاً من المخالفة، وهذا الذي أراده المؤلف بحفظ الأيمان، وهذا يكون لمن خاف الله، فإنه يجتنب الحلف مطلقاً، إلا في ما ألزم به ودعت الحاجة إليه، فهذا قد يتعين عليه، مثل الذي تتوجه عليه اليمين عند القاضي إذا ادعى عليه مدعٍ بشيء غير صحيح، فإذا لم يقم المدعي البينة توجهت اليمين على المنكر، فإذا طلب منه اليمين يحلف إذا كان صادقاً، ولا ضير عليه.

وكذلك إذا كان المقصود باليمين بيان الحق وتأييده، فإنها تكون مستحبة؛ لأن الله جل وعلا يقول: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [التغابن:٧] فأمر الله جل وعلا نبيه أن يحلف بالله على البعث، وكذلك قوله جل وعلا: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} [يونس:٥٣] فأمره جل وعلا أن يحلف بالله، فإذا كان الحلف مقصوداً به بيان الحق وإيضاحه وتقريره وثبوته يحلف، وهو بهذا مأجور.

أما إذا كان الحلف يراد به أمر من أمور الدنيا، فيجب عليه أن يحفظ اليمين عنه مطلقاً.

أما إذا حلف الإنسان على شيء يريد الامتناع منه، أو يريد حض غيره على فعله كأن يحلف على غيره أنه لا يدخل بيته بسبب مشاكل بينهم، ثم بعد ذلك يتبين له أن عدم الحلف أولى، فهذا ينبغي أن يكفر عن يمينه، وأن يفعل الشيء الذي حلف على الامتناع منه؛ لأن الله جل وعلا يقول: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا} [البقرة:٢٢٤] معنى الآية: أنكم إذا حلفتم على شيء ثم رأيتم أن هذا الذي حلفتم عليه خير من تركه فلا يمنعكم الحلف، كفروا عن أيمانكم وافعلوا هذا الذي حلفتم على عدم فعله، هذا معنى قوله: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ} [البقرة:٢٢٤].

وكذلك جاءت الأحاديث بمعنى هذه الآية يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لـ عبد الرحمن بن سمرة: (يا عبد الرحمن! لا تطلب الإمارة، فإنك إن طلبتها وكلت إليها، وإن أتتك بدون طلب أعنت عليها) ثم يقول (وإذا حلفت على شيء ورأيت غيره خيراً منه فكفر عن يمينك، وائت الذي هو خير).

وكذلك ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (والله إني إن شاء الله لا أحلف على الشيء فأرى غيره خيراً منه إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير).

أما الذي يحلف على أمور الدنيا مثل البيع والشراء والأخذ والعطاء، وما أشبه ذلك، فهذا الذي لا يجوز، وفاعل ذلك قد ضعف إيمانه، وضف تقدير الله عنده، فلهذا يكثر من الحلف، ومثل هذا لابد أن يقع في الإثم.