قال المصنف رحمه الله تعالى: [وعن علي بن الحسين رضي الله عنه: أنه رأى رجلاً يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فيدخل فيها فيدعو فنهاه، وقال: ألا أحدثكم حديثاً سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال:(لا تتخذوا قبري عيداً، ولا بيوتكم قبوراً، وصلوا علي فإن تسليمكم يبلغني أين كنتم) رواه في المختارة].
هذا الحديث رواه علي بن الحسين الذي هو زين العابدين، وهو من أفضل أهل زمانه، عن أبيه الحسين بن علي ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن جده رسول الله صلى اله عليه وسلم أنه قال:(لا تجعلوا قبري عيداً، وصلوا علي؛ فإن تسليمكم يبلغني أين كنتم)، وفي هذا الحديث ما كان عليه السلف -وأهل البيت خاصة- من معرفة هذه السنة، فهذا الرجل جاء يتحرى الدعاء عند قبر الرسول فنهاه، وقال: لا تفعل، وجاء نظير هذا أيضاً عن ابن عمه الحسن بن الحسن أنه رأى رجلاً بهذه الصفة، يقول: جئت وهو يتعشى في بيت فاطمة، فدعاني فقلت: لا أريده، فقال: ما لي أراك تأتي إلى القبر، فقلت: أسلم، فقال: لا تفعل، يعني: لا تتردد على القبر للسلام، ثم ذكر الحديث، وقال: ما أنت ومن بالأندلس إلا سواء، فسلم أينما كنت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن تسليمك يبلغه، ودل هذا على أنه لا يجوز تحري الدعاء عند القبر، وإن قصد الإنسان الدعاء فليكن في روضة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز أن يتجه إلى القبر ويدعو، بل يتجه إلى القبلة ويدعو ربه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:(ما بين منبري وبيتي روضة من رياض الجنة)، فهذا هو الذي يرجى فيه إجابة الدعاء، وينبغي أن يتحرى الدعاء فيها وليس عند القبر، والقبر ما كان في المسجد، بل كان خارج المسجد، ولكن الوليد بن عبد الملك أدخله المسجد لا استناناً بسنة، ولا امتثالاً لأمر عالم من العلماء، وإنما بمقتضى أمر الملوك وفعل الملوك فقط؛ لأنه ملك من الملوك يريد أن يظهر عمله، فعمله خطأ، لا وافق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا امتثل مشورة العلماء، بل جانب ذلك.
إذاً: القبر ليس مكاناً للدعاء، بل هو منهي عنه، هذا لو لم تأت النصوص الصرحية الواضحة فكيف وقد جاءت النصوص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فليس للمخالف في ذلك عذر، ويكون مرتكباً لإثم إذا خالف هذه النصوص، وفي هذا دليل على أن من كان في المدينة لا يتردد على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم بالسلام كلما جاء إلى المسجد، وإنما إذا دخل المسجد يصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما كان الصحابة يفعلون ذلك مع أنهم كانوا يتمكنون من الوصول إلى قبره، ولا شيء يحول بينهم وبينه، بخلاف اليوم لا يستطيع أحد أن يصل إلى القبر، وهذا من فضل الله جل وعلا، فإن الله جل وعلا حماه عن الجهال الذين لو تمكنوا منه لم يتركوا حتى من التراب شيئاً، التراب سيحملوه لو تمكنوا من ذلك، ولكن من فضل الله جل وعلا أن صانه وحماه.
فالمقصود أن السنة التي بينها صلى الله عليه وسلم للمسلمين أن يصلوا عليه أينما كانوا، وألا يترددوا على قبره ويجعلوه عيداً، فإنهم إذا فعلوا ذلك فإنهم يكونون مخالفين لرسول الله صلى الله عليه وسلم.