مما نستفيده من قوله صلى الله عليه وسلم:(إنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبداً)، أن الرجل إذا ترك الذنب وتاب منه لم يضره، وأن أولياء الله يقعون في الذنوب، فإن عمران بن حصين من أولياء الله، وقد مر معنا أن الملائكة كانت تسلم عليه، وهو أخبر بذلك رضوان الله عليه، قال: كان بي بواسير فاكتويت، فذهبت ثم تركت ذلك فعادت، والصحابة رضوان الله عليهم كلهم من أولياء الله، بل هم أفضل أولياء الله من هذه الأمة، بل هم أفضل أولياء الله على الإطلاق بعد الأنبياء والرسل، فما كان مثلهم، هم الذي صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعلموا الإيمان منه، وتربوا على يديه، وقاتلوا مطيعين له ناشرين لدين الله، ثم أخذوا الدين عن نبيهم صلوات الله وسلامه عليه، وبلغوه لمن بعده.
فلهذا يكون لهم أجر من أتى بعدهم وأخذ عنهم، والذين أخذوا عن الذين أخذوا عنهم، يكون لهم من الأجر مثل أجور هؤلاء، وربما امتد الأمر إلى يوم القيامة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أن من دعا إلى هدى فله من الأجر مثل أجر من عمل به من غير أن ينقص من أجر المهتدين شيئاً.
ولا يمكن أن يكون الإنسان منفكاً عن الذنوب؛ ولهذا جاءت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون، فيغفر الله لهم)؛ وذلك أنه لا بد أن تظهر آثار أسماء الله جل وعلا وصفاته، فهو الغفور الرحيم التواب البر الذي يرحم ويعفو ويغفر ويستر ويجبر، فآثار أسمائه وأوصافه لا بد أن تظهر على عباده، فالذي يقترح أن المؤمن لا يقع في الذنوب فهو جاهل في الواقع، وهو اقتراح لا يمكن وجوده، فكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، الذين يتوبون ويرجعون.
وفي الحديث الصحيح عن أنس أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول عن الله جل وعلا:(إن عبداً من عباد الله أذنب فقال: ربي! إني أصبت ذنباً فاغفر لي، فقال الله جل وعلا: عبدي علم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به، قد غفرت لك، ثم أذنب ذنباً فقال: أي رب اغفر لي، فقال الله جل وعلا: علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به، قد غفرت لك، ثم أذنب ذنباً فقال: أي رب اغفر لي، قال الله جل وعلا: علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به، قد غفرت لك، اعمل ما شئت) يعني: كل ما أصبت ذنباً فاستغفرت فإن الله يغفره، ولو تكرر ذلك مراراً، ولكن ليس معنى ذلك أن الإنسان يصر على فعل الذنوب، ويصير الذنب محبوباً إليه، ويصير عزمه الإقامة على فعله، ولا يريد تركه، وإنما يستغفر بلسانه، فإن هذا يسمى استغفار الكاذب، ولكن المعنى أنه يندم إذا وقع في الذنب وتركه وأسف على وقوعه فيه وعزم على ألا يعود إليه، وإذا كان بهذه المثابة ولو يقع في اليوم في ذنوب كثيرة، ويتصف بهذه الصفة؛ فإن الله يغفر له ولا يبالي.
فالمقصود أن أولياء الله لا ينفكون عن الذنوب، ولكن يوفقهم الله جل وعلا للتوبة.