للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وجوب الإيمان بالصفات الثابتة في الكتاب والسنة]

يجب على الإنسان أن يثبت كل ما أثبته الله جل وعلا لنفسه في كتابه، وفي أحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم من الصفات، فلو ترك المسلمون على فطرهم لما شكوا فيها، فإذا سمعوا قول الله جل وعلا: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:٦٧] إذا سمعوا هذا اعتقدوا أن الله يقبض مخلوقاته إذا شاء، وأنه يطوي السماوات والأرضين وجميع الخلق بيده، وكذلك إذا سمعوا قول الله جل وعلا: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:٦٤] اعتقدوا أن لله يدين يبسطهما بالعطاء وبالنعم وبالفضل على من يشاء من خلقه.

وكذلك إذا سمعوا قوله جل وعلا في مخاطبته لإبليس: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:٧٥] اعتقدوا أن لله يدين، وكذلك إذا سمعوا أن الله سميع بصير اعتقدوا أن له السمع والبصر، كقوله: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} [المجادلة:١] هذه الآية نزلت بسبب امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فدخلت عليه وهو في بيت عائشة -أي: في غرفتها، لأن بيت عائشة عبارة عن غرفة واحدة، وكل بيوت زوجات النبي صلى الله عليه وسلم عبارة عن غرفة واحدة-، قالت عائشة: لقد جاءت المجادلة وإني في طائفة البيت، والله إنه يخفى عليّ بعض كلامها، فأنزل الله جل وعلا: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} يعني: كونها تحاور الرسول صلى الله عليه وسلم حول مظاهرة زوجها لها، والظهار كان معروفاً في الجاهلية، فحرمه الله جل وعلا في الإسلام، وأثبت فيه أحكاماً، وهو أن يشبه زوجته بظهر أمه أو بيد أمه أو ببطن أمه أو بظهر أخته، أو بظهر بنته، فيشبهها ببعض محارمه التي تحرم عليه على الأبد، فمن شبهها بذلك فقد ارتكب محرماً، ولا يجوز له أن يقربها حتى يكفر، والظهار كان طلاقاً في الجاهلية، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إنه رجل كبير وفقير، ولي أولاد منه، فكيف أصنع بهم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (لا أراك إلا قد حرمت عليه)، فصارت تقول: اللهم إليك أشكو صبية إن ضممتهم إليّ جاعوا، وإن تركتهم عنده ضاعوا، فأنزل الله جل وعلا الحكم في ذلك بالكفارة فقال: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة:٢] إلى أن قال: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة:٣] إلى آخر الآية، فلا بد أن يحرر رقبة، فإن لم يجد {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة:٤] فهذه الكفارة التي نزلت في الظهار هي قبل أن يمسها أو يقربها فلا بد أن يكفر.

فالمقصود: أن الله جل وعلا سمع قول هذه المرأة وهو فوق عرشه، فأنزل قوله: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ} [المجادلة:١] فالمسلمون يعتقدون أن الله سميع بصير، وأنه لا يخفى عليه شيء، فسمعه يسع كل صوت وإن دق، يسمع دبيب النملة على الصخرة الصماء في ظلمة الليل.

وكذلك يعتقدون أنه عليم بكل شيء، وأنه خبير بكل شيء، ويعتقدون أنه لا يخفى عليه شيء -تعالى وتقدس- فلماذا يراد منهم ما لا يعتقدونه؟