للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[انكسار القلب بين يدي الله]

[السابع -وهو أعجبها-: انكسار القلب بين يديه].

انكسار القلب يعني: خشوعه، وخضوعه، وذله لله جل وعلا، والقلب ما ينكسر حتى يعرف ربه، ويستشعر نعمه وعذابه، وعظمته جل وعلا، والإنسان ضعيف في الحقيقة، ولكن الله جل وعلا لا ينسى شيئاً ولا يفوته شيء من خلقه، ولهذا لما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لـ أبي بن كعب: (إن الله أمرني أن أقرأ عليك: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} [البينة:١] قال أبي: وسماني الله لك، قال: نعم)، فصار يبكي فرحاً لأن الله سماه، ولأن الله ذكره.

ما حقيقة الإنسان؟ حقيقته أنه إذا نظر في عظمة الله ومخلوقاته تبين له أنه مخلوق حقير صغير من مخلوقات الله، فإذا أنعم الله جل وعلا عليه، وجعله عبداً له، وأعطاه من العقل والسمع والبصر ما ازداد به هدى إلى الله جل وعلا؛ فهذه ليست من قوة الإنسان، وليست من عقليته، وإنما هي نعم، كل الناس لهم عقول، وعندهم أسماع وأبصار، ولكن ما استطاعوا أن يهتدوا بعقولهم وأسماعهم إلى الحياة الحقيقية.

فإذا لم يكن للإنسان هادٍ من الله فلا هادي له، كما قال الله: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} [الكهف:١٧] مهما كان عند الإنسان من العقل والنظر والفكر والقوة والمادة لا يستطيع أن يهتدي، والله جل وعلا يخاطب أفضل الخلق رسوله صلى الله عليه وسلم ويأمره أن يقول: {وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي} [سبأ:٥٠] يعني: هدايته بالوحي الذي أوحاه الله إليه، وأكثر الناس معرضون عن هذه الهداية، لا يهتم بها، ولا يلتفت إليها، وبعضهم يحاربها أشد المحاربة، ويبذل قوته وجهده وماله في المحاربة! فإذا نظر الإنسان في الناس، وجد منهم الذي يحارب الإسلام، ومنهم الذي يعبد غير الله، واختلفت معبوداتهم حتى أن منهم من يعبد الحيوانات، ومنهم من يعبد الفئران والبقر والقرود والحيات وغيرها، وكلهم عندهم عقول وأسماع وأبصار، فإذا نظر الإنسان إلى هؤلاء حمد الله حيث هداه، وحيث منّ عليه بأن جعله مسلماً متبعاً للرسول صلى الله عليه وسلم، وحياة الإنسان قصيرة جداً، وهذه الحياة القصيرة ينبغي أن يكتسب بها القرب إلى الله والسعادة الأبدية في الجنان، وليست الجنة مثل ملك ملك من الملوك؛ لأن نعيم الجنة وملكها ما يتصوره الإنسان، لأنه لا يشاهده ولا يعرف جنسه، وقد ذكر الله جل وعلا منها صفات كثيرة.

وملائكة الرحمن يدخلون عليهم من كل باب، يقولون لهم: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد:٢٤]، الملائكة الكرام الذين لا يعصون الله ما أمرهم مذ خلقوا يكونون شبه الخدم لهم، ولهم كل ما تشتهي نفوسهم من المشتهيات والمناظر التي تلذ أبصارهم، ولا يذوقون فيها الموت، ولا يخافون الخروج، ولا يعتريهم مرض، ولاذل أو خوف، يحيون في أمن ونعيم، وفيما تشتهيه أنفسهم، خالدين فيها أبداً، وفوق هذا كله أن الله يرضى عنهم، فرضوان الله أكبر من الجنة.

وقد يكتسب الإنسان في هذه الحياة القصيرة سخط الله وعذابه السرمدي، وليس عذاب الآخرة مثل العذاب الذي يعهده الإنسان في هذه الدنيا، بل من شدته أن الله قال: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} [النساء:٥٦]، الجلود تنضج ولكن تبدل، نفس الجلد الذي نضج يعاد مرة أخرى، وليس معناه أنه يذهب ويأتي غيره، لا، جلد الإنسان هو جلده، هذا الجلد الذي عصى، وهذه الأعضاء التي عصت، هي التي تتبدل، كلما احترقت عادت دائماً، ويأتيه أسباب الموت من كل مكان، و {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} [إبراهيم:١٧]، ما يموت، {لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا} [فاطر:٣٦].

فالإنسان إما أن يكون في هذه أو يكون في هذه، إما أن يكون في الشقاء الذي يتمنى أن يكون عدماً ولكن هيهات لا يفيد التمني، أو يكون في كرامة الله جل وعلا التي ما خطرت على قلب بشر، ولا رآها أحد من الناس.

فلهذا يقال: إن الخطر على الإنسان عظيم جداً، والرسول صلى الله عليه وسلم كثيراً ما نبه على هذه الأمور، قال صلى الله عليه وسلم: (لا تنسوا العظيمتين: الجنة والنار) يعني: اذكروهما دائماً، وليكن بين أعينكم الجنة والنار؛ لأن المآل إليهما، والإنسان لابد أن يستقر في واحدة منهما: في الجنة أو النار.