للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أساس الإيمان معرفة الله جل وعلا بأسمائه وصفاته]

أساس الأيمان هو معرفة الله جل وعلا بأسمائه وصفاته، وهذا هو السبب الذي ذكر المؤلف هذا الباب من أجله، فيبيّن أنه لابد للمسلم من أن يؤمن بأسماء الله وصفاته على ما جاء في كتاب الله من غير التحريف الذي يقول أصحابه: إنه تأويل، أي: أنه تفسير، وهو في الحقيقة تأويل، فيجعلون ظاهر الكلام غير مراد، ويقولون: والمراد شيء آخر، دلنا على هذا المراد العقل والقرائن.

ونقول: كيف يكون العقل دالاً على خلاف كلام الله جل وعلا وعلى خلاف ظاهره؟! هذا لا يمكن.

وكما ذكرت فهم يقولون -مثلاً-: الرحمة رقة تكون في قلب الراحم يحدث منها ميله إلى المرحوم، فيحدث العطف عليه والإحسان إليه، والله يجب أن ينزه عن مثل هذا؛ لأن هذا فيه نقص.

ونقول: هذه يقال فيها: هذه رحمة النساء، ورحمة الضعفاء، ورحمة المخلوق الضعيف التي تليق به، أما رحمة الله فهي رحمة لا تشبه رحمة المخلوق، وكما أنه جل وعلا لا يشبه المخلوق، فكذلك صفاته، هكذا يجب أن يكون الجواب عليهم، وكلما قالوا شيئاً يجابون بهذا.

ولهذا لما جاء رجل إلى الأمام مالك وقال له: الرحمن على العرش استوى كيف استوى؟ فقال له الأمام مالك: (الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان بالاستواء واجب، والسؤال عن الكيفية بدعة، ولا أراك إلا رجل سوء)، ثم أمر به أن يطرد من المجلس لأنه أساء.

فالكيفية هي الحالة التي يكون عليها الموصوف، وهذه الحالة تحتاج إلى المشاهدة، ولا أحد يشاهد الله جل وعلا، وأما معنى الاستواء فهو معلوم، ففي اللغة معناه واضح، وهو العلو على الشيء والارتفاع والصعود عليه، هذا معنى الاستواء.

وهكذا يقال في السمع، والبصر، والعلم، والقدرة، والإرادة، والنزول، وغير ذلك من صفات الله كلها يقال فيها: المعنى الذي خوطبنا به معلوم نعرفه، وكيفية اتصاف الرب جل وعلا في ذلك أمر مجهول لا يمكن أن يُوصل إليه؛ لأن هذا لابد له من أحد شيئين: إما المشاهدة، وإما أن يكون الموصوف له نظير مثله يشاهد فنقيسه عليه، وكلا الأمرين مستحيل في هذه الدنيا.

والله لا مثل له، ولا أحد يشاهده جل وعلا.

ثم ذكر المؤلف أن منشأ التعطيل هو التشبيه؛ لأنهم شبهوا فقالوا: إننا لا نعرف من هذه الصفات إلا ما نعرفه من نفوسنا فصاروا ينفونها لئلا يقعوا في التشبيه إذا أثبتوها، ثم إنهم عطلوه، وألحقوه بالمعدومات أو بالجمادات، فصاروا مشبهين له بالناقصات، فصار التشبيه الأخير أشر من التشبيه الأول؛ لأن المعطل يلزمه أن يكون مشبهاً ولا ينفك عن التشبيه؛ إذ كل معطل مشبه؛ لأنه يشبه بالناقصات أو المعدومات، تعالى الله وتقدس.