للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حال المشركين الأوائل عند الشدائد]

المشركون القدامى لم يكونوا معتقدين في معبوداتهم -سواءً كانت أصناماً مثل: الشجر والحجر، أو كانت قبوراً مثل: اللات ونحوها -على أحد قولي العلماء-، أو مثل: عيسى وعزير وأم عيسى عليهم السلام، أو الملائكة، أو الأجرام السماوية مثل: الكواكب والشمس والقمر وما أشبه ذلك- أنها مشارِكة لله جلَّ وعلا في العطاء والمنع والدفع والنفع، وما كانوا يعبدونها على هذا الأساس، وإنما كانوا يعبدونها زاعمين أنها تقربهم إلى الله زلفى وتشفع لهم، كما ذكر الله جلَّ وعلا ذلك عنهم، وهذا هو شركهم الذي كانوا يفعلونه، وهذا شيء معروف لمن نظر في التاريخ، ونظر في وقائعهم، وفي حالتهم التي كانوا عليها.

ولهذا كانوا إذا وقعوا في شدة تركوا هذه الأشياء، واتجهوا إلى الله وأخلصوا له الدعوة، كما أخبر الله جلَّ وعلا ذلك عنهم: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [العنكبوت:٦٥] أي: أنهم إذا ركبوا في البحر، فهبت عليهم الريح العاصفة -التي يتوقعون أنها ستهلكهم وتغرقهم- اتجهوا إلى الله مخلصين له في دعائهم، ولا يدعون معه غيره، وقد جاءت الأخبار بأنهم إذا كانوا في مثل هذه الحالة، وكانت معهم الأصنام ألقوها في البحر، وقالوا: إنها لا تنفع في مثل هذه الحالة.

فالمقصود: أن عبادتهم لهم كانت على سبيل الوساطة، يجعلونهم وسائط بينهم وبين ربهم، ويقولون: نسأل الله بهم، أي: نسألهم وهم يسألون الله لنا، ويقولون: نطلب منهم أن يشفعوا لنا عند الله، فهذا هو الشرك الذي وقعوا فيه، أما أن أحداً منهم كان يعتقد أن الشجرة -مثلاً- تنزل المطر، أو تنبت النبات، أو تجلب الرزق، أو تدفع العدو، فما كان أحد منهم يعتقد هذا، وكذلك الميت، ما كان أحد منهم يعتقد أنه ينزل المطر، أو يحيي أو يميت، أو أنه يجلب الرزق، أو أنه يدفع العدو، أو أنه يزيل المرض، أو أنه يمسك الخير، ما كانوا يعتقدون ذلك، وإنما كانوا يقولون: نطلب منه حتى يسأل الله لنا، فيعطينا الذي نريده، هذا هو شرك المشركين، ولم يكن أحد منهم يطلب مخلوقاً على وجه الاستقلال، أو وجه المشارَكة مع الله جلَّ وعلا.