قال الشارح رحمه الله: [قال ابن كثير رحمه الله تعالى: يقول تعالى مخبرا عن عبده ورسوله وخليله إمام الحنفاء، ووالد من بعث بعده من الأنبياء الذي تنتسب إليه قريش فى نسبها ومذهبها: إنه تبرأ من أبيه وقومه فى عبادتهم الأوثان فقال: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[الزخرف:٢٦ - ٢٨] أي: إن هذه الكلمة -وهي عبادة الله وحده لا شريك له، وخلع ما سواه من الأوثان، وهي لا إله إلا الله- جعلها فى ذريته يقتدي به فيها من هداه الله من ذرية إبراهيم عليه السلام (لعلهم يرجعون) أي: إليها].
قوله جل وعلا عن إبراهيم عليه السلام:{فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ}[الزخرف:٢٧] يبين الله فيه أن على المسلم ألا يعتمد على نفسه وعلى فعله وقوته، وإنما يلجأ إلى ربه في كل ما يصدر منه، ويبرأ من الحول والقوة؛ فإن الهداية بيد الله، فالإنسان لا يملكها إذا لم يهده الله جل وعلا، {فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ}[الزخرف:٢٧] يقول: إذا اتجهت هذا الاتجاه فأنا أرجو هدايته وأطلبها منه، وليست الهداية مني وإنما هي من الله جل وعلا، فهو يهدي من يشاء ويضل من يشاء، وهذا من مقتضى العبودية، أن يكون الإنسان مستسلماً منقاداً لله جل وعلا، وألا يكون لنفسه مع الله جل وعلا منازعة ينازعه فيما يصدر من الله جل وعلا ولا فيما يصدر من العبد، غير أن العبد مكلف بامتثال الأمر واجتناب المنهي عنه، ثم هو إذا لم يعنه الله جل وعلا ويهده لذلك لا يستطيع أن يعمل شيئاً، ولهذا وجب علينا أن ندعو الله جل وعلا بهذا الدعاء في كل ركعة من ركعات الصلاة، فنقول:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}[الفاتحة:٥] أي: إذا لم تعنا على عبادتك لا نستطيع أن نعمل شيئاً.
فالعبد يكون مستسلماً منقاداً لله بارئاً من الحول والقوة، وإنما هو عبد لله يتصرف فيه كيف يشاء، فهو يسأل ربه مفتقراً إليه، مظهراً فقره في عبادته التي يتقرب بها إلى الله بأن يوفقه الله جل وعلا فيها وفي مستقبله وفي جميع أحواله، يجب أن يكون العبد بهذه المثابة، وأن يعلم أن الخلق كلهم لا يغنون عنه شيئاً، أما إذا أصبح ينازع ربه في التصرفات فإنه يكون له نوع من التكبر على الله جل وعلا وعلى عبادته، فيخذل في ذلك، ويعرض الله جل وعلا عنه ويكله إلى نفسه، ومن وكل إلى نفسه تولاه الشيطان وضل، نسأل الله العافية.
ففي هذا دليل على أن العبادة مقترنة بالاستعانة، وأنها لا تصح العبادة حتى تقترن بعون الله جل وعلا وتوفيقه، فالإنسان يعبد ربه ويسأله التوفيق والعون على ذلك.