للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[غضب النبي صلى الله عليه وسلم إذا انتهكت محارم الله]

قال الشارح رحمه الله: [وفيه: الغضب عند التعليم، وأن ما ذم الله به اليهود والنصارى فإنه قاله لنا لنحذره، قاله المصنف رحمه الله].

أما الغضب عند التعليم فهذا إذا اقتضى الأمر ذلك، وهذا يؤخذ من قوله: سبحان الله، أو قوله: الله أكبر على حسب ما جاء في الرواية، ففي رواية أنه قال: (الله أكبر! الله أكبر!)، وفي رواية أنه قال: (سبحان الله! سبحان الله!) وهذا يدل على أنه غضب؛ لأن هذا تنزيه لله جل وعلا وتكبير له، أن يجعل لهم سدرة يعكفون عندها ويعلقون فيها أسلحتهم ويتبركون بها، وقد وقع له صلوات الله وسلامه عليه نظير هذا في بعض المسائل، كما سيأتي في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد في القصة التي سيذكرها المؤلف وهي: (أن أعرابياً أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال يا رسول الله! استسق لنا، فقد جاع العيال، ومات الحلال، وانقطعت السبل، فإنا نستشفع بك على الله، ونستشفع بالله عليك، فأكبر صلوات الله وسلامه عليه ذلك القول، وقال: ويحك أتدري ما الله؟!.)

إلى آخره، فهذا مثله أيضاً، وهكذا صلوات الله وسلامه عليه إذا انتهك شيء من حقوق الله فإنه يغضب، ولا أحد يقوم لغضبه صلوات الله وسلامه عليه.

أما عند التعليم دون أن يكون هناك انتهاك لمحارم الله فهو أكمل الناس خلقاً، وأتمهم حلماً، ويسع الجاهل ما لا يسعه غيره، ولهذا لما دخل الأعرابي إلى المسجد فأناخ بعيره في المسجد، ثم جلس يبول في المسجد انتهره الناس، فقال لهم صلوات الله وسلامه عليه: (دعوه، لا تزرموه، فتركه حتى انتهى ثم دعاه، فقال: إن المساجد لا تصلح لهذ، اوأمر بأن يصب على البول ذنوباً من ماء)، وفي الحديث الصحيح من حديث أنس أن أعرابياً لقيه صلوات الله وسلامه عليه، وعليه درع غليظ الحاشية، فأمسك بالنبي صلى الله عليه وسلم وجبذه جبذة شديدة، يقول أنس: حتى رأيت أثرها في رقبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: يكاد الدم يخرج، يقول: فلم يعنف عليه، وأمر أن يحسن إليه، إلى غير ذلك.

فصلوات الله وسلامه عليه كان يعلم الجاهل برفق ولين، وأما إذا انتهكت المحارم فإنه يغضب لله جل وعلا، ولما جاءه الذي يشفع في المرأة المخزومية التي سرقت غضب، والمرأة المخزومية هي من قريش، فثقل ذلك على بعض رجالات قريش، وقالوا: كيف تقطع يدها وهي شريفة وهي كذا وكذا؟! ثم قالوا: من يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: ما أحد يجرأ على كلامه إلا ابن حبه أسامة بن زيد، فكلموه، فذهب وكلمه فغضب صلوات الله وسلامه عليه وقال: (تشفع في حد من حدود الله؟ وأيم الله! لو أن فاطمة بنت محمد -صلى الله عليه وسلم- سرقت لقطعت يدها، إنما جاء النقص على بني إسرائيل أنهم كانوا إذا سرق الشريف فيهم تركوه، وإذا سرق الوضيع فيهم أقاموا عليه الحد) والمقصود: أن غضبه ليس دائماً، وإنما هو عند انتهاك المحارم.

وأما قوله: وأن ما ذم الله به اليهود والنصارى فإنه قاله لنا لنحذره فهذا واضح؛ لأن اليهود في قصتهم مع نبيهم شيء قد مضى أمره وانتهى، وهم أيضاً لم يؤمنوا برسولنا صلوات الله وسلامه عليه، وإنما الذي آمن به منهم-في وقته- قلة لا يتجاوزون عدد أصابع اليد الواحدة، فهذا في وقته، وكونه جل وعلا يذكر ذلك الأمر إنما أراد به أن يبين ما فعلوه وذموا عليه لئلا نقع في ذلك، وهذا في جميع القرآن وليس خاصاً ببني إسرائيل، بل كل القصص التي جاءت عن الأمم وعن الأنبياء نحن المقصودون بها؛ لأن هذه سنة الله لا تتغير ولا تتبدل، من خالف الرسل وكذبهم وعصاهم فإن مصيره إلى ما صار إليه أولئك المخالفون لرسلهم، ومن أطاع الرسل واتبعهم ونصر الله ودينه، فالعاقبة تكون له في الدنيا والسعادة في الآخرة، هذا هو مضمون القصص الذي قصه الله جل وعلا علينا في القرآن، سواء عن بني إسرائيل أو عن غيرهم.