للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الكي وحكمه]

وقوله: (ولا يكتوون) الكي بالنار من الأدوية المشهورة عند العرب، وقد جاءت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بوصف الكي بأن فيه شفاءً، كما وصف العسل بأن فيه شفاءً، وجاء أن الشفاء في ثلاث: في لعقة عسل، ومشرط حجام، وكية بنار.

ولكن بعده قال: (ولا أحب الكي)، وفي رواية: (وأكره لأمتي الكي)، وجاء أنه صلوات الله وسلامه عليه أمر بكي بعض أصحابه، فدعا له طبيباً فأمره بكيه، وجاء عن الصحابة عن بعضهم أنهم فعلوا ذلك، مثل أنس فإنه أخبر أنه فعل ذلك، وكذلك عمران بن الحصين كانت تسلم عليه الملائكة فاكتوى من بواسير كانت فيه فلم يرهم لما اكتوى، ثم ترك ذلك وتاب فعادت تسلم عليه.

فهذا يدلنا على جواز الكي وأنه جائز.

وقد ورد في حكم الكي أحاديث على أنواع: النوع الأول: أنه مكروه.

والحديث الذي معنا يدل على ذلك؛ لأنه قال: (ولا يكتوون)، وهو سبب من الأسباب التي سبقوا بها إلى الجنة.

كما أنه جاء أيضاً أن الرسول صرح بكراهته فقال: (ولا أحب الكي)، وقال: (وأكره لأمتي الكي).

النوع الثاني: الإذن به -أي: بالكي-، والإذن يدل على الجواز.

النوع الثالث: فعل الكي.

النوع الرابع: وصفه بأنه فيه شفاء، ولم يمنع منه وقد قال صلوات الله وسلامه عليه: (لم يجعل الله شفاء أمتي فيما حرم عليها)، ولهذا لما سئل عن الخمر قال: (هي داء وليست بدواء، ولم يجعل الله شفاء أمتي فيما حرم عليها).

وقد اختلف العلماء في التداوي به على مذاهب، فمنهم من أجاز ذلك وقال: تركه أفضل توكلاً على الله.

وهذا المشهور في مذهب الإمام أحمد وطوائف من العلماء، ومنهم من استحبه استحباباً مأكداً حتى دنا به من الوجوب، وهو المشهور عن الإمام الشافعي رحمه الله، وقال النووي رحمه الله: مذهب جمهور العلماء أنه مستحب ومنهم من جعله مستوي الطرفين، يعني: تركته أو فعلته فكلاهما سواء، والصواب أنه مستحب؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم سئل عن أمورٍ يُتداوى بها فقال: (تداووا عباد الله؛ فإن الله لم ينزل داءً إلا وأنزل له شفاءً علمه من علمه وجهله من جهله)، وفي رواية: (تداووا؛ فإن الله ما أنزل داءً إلا أنزل له شفاء إلا داءً واحداً وهو الهرم).

فإذاً التداوي جائز، ولا يكون ممنوعاً.