للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التحذير من اتخاذ القبور مساجد ومعناه]

قال الشارح رحمه الله: [قوله: (ولهما) أي: البخاري ومسلم وهو يغنى عن قوله -في آخره- (أخرجاه).

قوله: (لما نزل) هو بضم النون وكسر الزاي، أي: نزل به ملك الموت والملائكة الكرام عليهم السلام.

قوله: (طفق) بكسر الفاء وفتحها، والكسر أفصح، وبه جاء القرآن، ومعناه: جعل.

قوله: (خميصة) بفتح المعجمة والصاد المهملة: كساء له أعلام.

قوله: (فإذا اغتم بها كشفها) أي: عن وجهه.

قوله: (لعن الله اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) يبين أن من فعل مثل ذلك حل عليه من اللعنة ما حل على اليهود والنصارى] ليس معنى الأعلام التي في الخميصة الصور، وإنما معناها: النقوش والزين المخيط عليها بالتطريز، فهذا هو المعنى المقصود، وليست الصور.

قال الشارح رحمه الله: [قوله: (يحذر ما صنعوا) الظاهر: أن هذا من كلام عائشة رضي الله عنها؛ لأنها فهمت من قول النبي صلى الله عليه وسلم ذلك تحذير أمته من هذا الصنيع الذي كانت تفعله اليهود والنصارى في قبور أنبيائهم، فإنه من الغلو في الأنبياء، ومن أعظم الوسائل إلى الشرك.

ومن غربة الإسلام أن هذا الذي لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعليه -تحذيراً لأمته أن يفعلوه معه صلى الله عليه وسلم ومع الصالحين من أمته- قد فعله الخلق الكثير من متأخري هذه الأمة، واعتقدوه قربة من القربات، وهو من أعظم السيئات والمنكرات، وما شعروا أن ذلك محادة لله ورسوله.

قال القرطبي في معنى هذا الحديث: وكل ذلك لقطع الذريعة المؤدية إلى عبادة من فيها، كما كان السبب في عبادة الأصنام.

انتهى إذ لا فرق بين عبادة القبر ومن فيه وعبادة الصنم، وتأمل قول الله تعالى عن نبيه يوسف بن يعقوب حيث قال: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} [يوسف:٣٨] نكرة في سياق النفي تعم كل شرك.

قوله: (ولولا ذلك) أي: ما كان يحذر من اتخاذ قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسجداً لأبرز قبره، وجعل مع قبور الصحابة الذين كانت قبورهم في البقيع.

قوله: (غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً) روى بفتح الخاء وضمها، فعلى الفتح يكون هو الذي خشي ذلك صلى الله عليه وسلم، وأمرهم أن يدفنوه في المكان الذي قبض فيه، وعلى رواية الضم يحتمل أن يكون الصحابة هم الذين خافوا أن يقع ذلك من بعض الأمة، فلم يبرزوا قبره؛ خشية أن يقع ذلك من بعض الأمة غلواً وتعظيماً بما أبدى وأعاد من النهي والتحذير منه ولعن فاعله.

قال القرطبي: ولهذا بالغ المسلمون في سد الذريعة في قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فأغلقوا حيطان تربته، وسدوا المداخل إليها، وجعلوها محدقة بقبره صلى الله عليه وسلم، ثم خافوا أن يتخذ موضع قبره قبلة إذا كان مستقبل المصلين، فتصور الصلاة إليه بصورة العبادة؛ فبنوا جدارين من ركني القبر الشماليين، وحرفوهما حتى التقيا على زاوية مثلثة من ناحية الشمال؛ حتى لا يتمكن أحد من استقبال قبره.

انتهى].