للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله تعالى: (قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجداً)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقول الله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا} [الكهف:٢١]].

هذه الآية ذكرها الله جل وعلا في قصة أصحاب الكهف، وهم الفتية الذين هربوا بدينهم من قومهم المشركين، وجعلهم الله جل وعلا آية، فأووا إلى غار ليختبئوا فيه، فضرب عليهم النوم، فناموا أكثر من ثلاثمائة سنة وهم نيام، ثم استيقظوا بعد ذلك وظنوا أنهم ما لبثوا إلا يوماً أو بعض يوم، وكان معهم نقود، فلما استيقظوا إذا هم جياع؛ فأمروا واحداً منهم أن يذهب إلى البلد ليشتري لهم بهذه النقود طعاماً، ووصوه بأن يتلطف أي: يختفي لئلا يعرفه القوم فيأتون إليهم فيفتنونهم عن دينهم، فذهب بالنقود، فلما حضر إلى البلد فإذا هي غير البلد، والناس غير الناس، فلما أخرج النقود إذا هي غير النقود التي يتعارف عليها الناس، فظهر أمرهم بذلك، فمسكوه وقالوا: من أين أتيت؟ ومن أين جئت بهذه النقود؟ فعرفوهم لهذا السبب، وجاءوا إليهم، ولما وصل إليهم زميلهم الذي ذهب ليأتيهم بالطعام، ضرب عليهم النوم مرة أخرى، فناموا، فأصبح هؤلاء يتخاصمون فيهم، كيف نصنع بهم؟! فقال الكبراء والوجهاء: {لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا} [الكهف:٢١] يعني: يبنون عليهم مسجداً، وبنوا عليهم المسجد، وهذا من صنيع اليهود، ومن صنيع النصارى.

والآثار الصحيحة جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم في منع بناء المساجد على القبور صراحة، وقد أخبر الله جل وعلا أن من كان قبلنا من أهل الكتاب قد بنوا المساجد على قبور أنبيائهم وصالحيهم مثل هؤلاء الفتية، والخبر الذي سيذكره يدل على أن هذا سيقع في هذه الأمة كما وقع في الأمم التي قبلها.

هذا هو وجه إيراد هذه الآية ووجه الاستدلال بها، يعني: أن البناء على القبور وقع من اليهود والنصارى على قبور أنبيائهم وصالحيهم، ورسولنا صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن هذه الأمة ستتبع سنن من كان قبلها حذو القذة بالقذة، فلا بد أن يقع البناء على القبور في هذه الأمة كما وقع في الأمم التي قبلنا، والبناء على القبور من وسائل الشرك، ومن المحرمات التي جاءت فيها أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا هو وجه الاستدلال بالآية، ووجه مطابقتها للترجمة.

[والمراد أنهم فعلوا مع الفتية بعد موتهم ما يذم فاعله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أبنيائهم مساجد) أراد تحذير أمته أن يفعلوا كفعلهم].