للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الشفاعة كلها لله سبحانه]

قال الشارح رحمه الله: [وقوله تعالى: {لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [الزمر:٤٤] تقرير لبطلان اتخاذ الشفعاء من دونه؛ لأنه مالك الملك، فاندرج في ذلك ملك الشفاعة، فإذا كان هو مالكها بطل أن تُطلب ممن لا يملكها: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة:٢٥٥]، {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء:٢٨] قال ابن جرير: نزلت لما قالت الكفار: ما نعبد أوثاننا هذه إلَّا ليقربونا إلى الله زلفى، قال الله تعالى: {لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [الزمر:٤٤].

قال المصنف رحمه الله تعالى: وقوله: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة:٢٥٥]].

(مَن) هذه: استفهامية للإنكار، يُنكر جلَّ وعلا أن تقع الشفاعة عنده إلَّا بإذنه، وذلك من تمام ملكه وعظمته، بحيث لا يجرؤ أحد من خلقه أن يشفع قبل أن يأذن له، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم هذا في حديث الشفاعة فقال: (أَخِرُّ ساجداً لربي جلَّ وعلا، فيفتح عليَّ من المحامد والثناء ما الله به عليم، ثم يقول: ارفع رأسك، واشفع تشفَّع -قبل أن يقول: اشفع تشفَّع لا يشفع- يقول: ثم يحد لي حداً ويقول: هؤلاء اشفع فيهم) فإذاً: أصبح الأمر كله بيد الله، الشافع لا يشفع إلَّا إذا أذن له ولا يشفع إلَّا في الذين يحدهم له ويقول: اشفع في هؤلاء؛ ولهذا قال العلماء: حقيقة الشفاعة هي: رحمة الله جلَّ وعلا للمشفوع له، وإظهار كرامة الشافع فقط، فليس للخلق شيء مع الله، والذي يزعم أن المخلوق يمكن أن يتقدم ويطلب طلباً مستقلاً بدون أن يأمره الله جلَّ وعلا بذلك فمعنى ذلك: أنه ما قدَّر الله حق قدره ولا عرف عظمته، وهذا قد نفاه الله جلَّ وعلا في هذه الآية: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة:٢٥٥] يعني: أنه لا يقع، وأنه لا يجرؤ أحد من الخلق سواء كانوا ملائكة أو أنبياء أو غيرهم، ما أحد يجرؤ أن يشفع عنده إلَّا إذا أذن له، فالشفاعة لا تقع من أحد من الخلق: لا الرسل ولا الملائكة ولا غيرهم إلَّا إذا أمرهم الله جلَّ وعلا أن يشفعوا، والإذن هنا المقصود به: الأمر؛ أن يأمرهم ويقول: اشفعوا، وأمره إياهم ليظهر كرامتهم أمام الخلق وإلَّا فالأمر كله بيد الله، ولهذا يحد لهم الحد فيقول: اشفعوا في كذا وكذا، يعني: الذين يُشفع لهم معيَّنون، وهذا يدلنا على أن الأمر كله لله جلَّ وعلا، وهذا معنى قوله: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة:٢٥٥] والإذن هو: الأمر، فإذا أمره أن يشفع شفع، أما قبل الأمر فلا أحد يجرؤ على الشفاعة.

وبهذا يتبين ضلال الذين يزعمون أنهم إذا طلبوا الشفاعة من شخص من الأشخاص يحسنون الظن به أن ذلك يحصل، وزعموا أن لهذا الشافع ما لله من الملك، وبذلك وقعوا في الشرك.