للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى قوله: (من شر ما خلق)]

قال الشارح: [وقال ابن القيم: ومن ذبح للشيطان ودعاه، واستعاذ به وتقرب إليه بما يحب، فقد عبده، وإن لم يسم ذلك عبادة، ويسميه استخداماً -وصدق- هو استخدام من الشيطان له، فيصير من خدم الشيطان وعابديه، وبذلك يخدمه الشيطان، لكن خدمة الشيطان له ليست خدمة عبادة، فإن الشيطان لا يخضع له، ولا يعبده كما يفعل هو به اهـ.

قوله: (من شر ما خلق) قال ابن القيم رحمه الله: أي من كل شر في أي مخلوق قام به الشر من حيوان أو غيره، إنسياً كان أو جنياً أو هامة أو دابة أو ريحاً أو صاعقة، أو أي نوع من أنواع البلاء في الدنيا والآخرة.

و (ما) هنا موصولة وليس المراد بها العموم الإطلاقي، بل المراد التقييدي الوصفي، والمعنى: من شر كل مخلوق فيه شر، لا من شر كل ما خلقه الله، فإن الجنة والملائكة والأنبياء ليس فيهم شر، والشر يقال على شيئين: على الألم، وعلى ما يفضى إليه].

قوله: قوله: (من شر ما خلق) يدلنا على أن الشر في المخلوق، وليس الشر من صفات الله، ولا من أفعال الله جل وعلا، وإنما هي في المخلوق الذي يخلقه الله جل وعلا، أما الله جل وعلا فكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في مناجاته لربه: (والشر ليس إليك)؛ ولهذا لا يضاف الشر إليه جل وعلا، لا وصفاً ولا فعلاً، بل ينزه عنه؛ لأن أفعاله كلها خير، وصفاته خير، وهو لا يفعل إلا الخير جل وعلا، وإنما الشر يكون في المفعول المخلوق كما قال مؤمنو الجن فيما قصه الله جل وعلا علينا: {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا * وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ} [الجن:٩ - ١٠] (أَشَرٌّ أُرِيد) لم يذكروا الفاعل، فحذف الفاعل هنا تأدباً مع الله جل وعلا، {أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [الجن:١٠] لما جاء الرشد أضافوه إلى الله جل وعلا، أما الشر فيحذف فاعله ويدخل في العموم، أو يضاف إلى المخلوق كقوله جل وعلا: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} [الفلق:١ - ٢] فجعل الشر للمخلوق، ولا يضاف إلى الله جل وعلا؛ وذلك أن أوصاف الله جل وعلا وأفعاله ليس فيها شر، والشر إضافي بمخلوقاته، بمعنى أنه ما كان شراً لقوم يكون خيراً للآخرين، فمثلاً: المطر إذا جاء قد يغرق من يغرق فيه، ويهلك ماله، فيكون بالنسبة إليه فيه شر، ولكن أكثر الناس هو خير لهم وللأرض، ومثل ذلك الشمس والليل والنهار وغير ذلك.

فالمقصود أن الشر يكون في مخلوقات الله، ولا يكون في فعل الله جل وعلا ولا في وصفه، وليس الشر إليه؛ ولهذا قال: {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} يعني: لما أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق فهو الشر الذي يكون في المخلوق.

والشر أصله الخلو من الخير، فإذا وجد الخير يكون هذا الخير الذي وجد أصله من الله، فهو الذي أوجد الخير، وهو الذي وضعه في هذا المحل، وإذا أخلى الله جل وعلا فضله من هذا المكان جاء الشر من قبل المخلوق، فلهذا ما يصيب الإنسان شيء إلا من جراء فعله ومن جراء ذنبه الذي يفعله، {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء:٧٩] فكل الخير يكون من الله، أما المصائب والشرور وما يترتب على ذلك فهو من أفعال الإنسان ومعاصيه ومخالفاته، وكون الله جل وعلا يخلق هذا وهذا لا يدل على أنه يتصف به تعالى وتقدس؛ لأن كونه قدر هذا الشيء ودخل في مخلوقاته هو وصف لمن قام به، فالشر وصف لمن قام به وهو المخلوق.