للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إثبات صفة الكلام لله عز وجل]

قال الشارح رحمه الله: [قال أبو عبيد: توفي سنة ست وثلاثين عن ثلاثمائة وخمسين سنة، ويحتمل أنه سلمان بن عامر بن أوس الضبي.

قوله: (ثلاثة لا يكلمهم الله) نفي كلام الرب تعالى وتقدس عن هؤلاء العصاة دليل على أنه يكلم من أطاعه، وأن الكلام صفة كمال له، والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة أظهر شيء وأبينه، وهذا هو الذي عليه أهل السنة والجماعة من المحققين، قيام الأفعال بالله سبحانه، وأن الفعل يقع بمشيئته تعالى وقدرته شيئاً فشيئاً، ولم يزل متصفاً به، هو حادث الآحاد قديم النوع كما يقول ذلك أئمة أصحاب الحديث وغيرهم من أصحاب الشافعي وأحمد وسائر الطوائف، كما قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:٨٢]، فأتى بالحروف الدالة على الاستقبال، والأفعال الدالة على الحال والاستقبال أيضاً، وذلك في القرآن كثير].

في قوله: (ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم) في نفي كلام الله مع هؤلاء إثبات لكلامه مع غيرهم، فالله جل وعلا وصف نفسه بأنه يتكلم، ولا شك أن الوحي والأمر والنهي كلام، فالله يوحي إلى ملائكته بأمره الذي يأمرهم به، ويوحي إلى رسله من البشر بواسطة جبريل عليه السلام، والذي يأتي به هو كلام الله إليهم، وكتبه التي أنزلها هي من كلامه، وكذلك سائر شرعه الذي يشرعه لعباده؛ لأنها كلها أمر ونهي، والأمر والنهي يكون بالكلام، والكلام صفة كمال، والله جل وعلا له الكمال المطلق، وكل كمال في المخلوق فالله هو الذي وهبه، وواهب الكمال أحق به جل وتقدس، وإنما جاءت الشبه ممن دخل في الإسلام مريداً إفساده، أما المسلمون فلم ينكر ذلك أحد منهم إلا من ضل عقله وفكره، فإن من ضل ينكر ما هو كثير الورود في كتاب الله، وما هو موروث عن رسل الله من كون الرب جل وعلا يتكلم.

ومن أنكر كلام الله جل وعلا فهو في الواقع ينكر الرسالة، وينكر الشرع ينكر كونه سبحانه أرسل الرسل، وشرع الشرائع؛ لأن الرسل ترسل بالأمر والنهي، وإذا لم يكن الأمر والنهي من الله فمن أين يكون؟ إذاً: عطلوا الله جل وعلا عن كونه يأمر وينهى ويتكلم، فقد وصفوه بالنقص، وقد قال الله جل وعلا: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة:٦]، ومعلوم أن المبلغ لا يسمع كلام الله من الله وإنما يسمعه ممن يبلغه، والمقصود بكلام الله هنا القرآن، فإذا طلب كافر من المسلمين أن يطلع على شرعهم وجب عليهم أن يؤمنوه حتى يسمعوه كلام الله جل وعلا الذي تكلم به.

والأدلة على هذا متكاثرة جداً، فالذي ينكر كلام الله يلزمه إنكار الرسالة، وإنكار الشرع، بل إنكار الكمال لله جل وعلا.

والله جل وعلا توعد هؤلاء الثلاثة وغيرهم بأنه لا يكلمهم، فترك كلامهم من العذاب الذي توعدهم به جل وعلا، فيلزم من هذا أنه جل وعلا يكلم أولياءه من المؤمنين ويخاطبهم، وهم الذين اتبعوا شرعه وآمنوا بكلامه، والأدلة على هذا من كتاب الله ومن أحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم أكثر من أن تحصر.