للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تطور الشرك من درجة إلى درجة]

يقول: ثم ينقلهم إلى الدرجة الثالثة: وهي أن تحري الدعاء عندها والصلاة عندها أفضل وأحرى إجابة من المساجد، فالصلاة والدعاء عند القبر ليس شركاً لذاته، ولكنه بدعة منكرة، فإذا ذهب الإنسان وصلى لله عند القبر أو كان عند القبر يدعو ربه؛ لا نقول: إن هذا شرك، ولكن نقول: هذه بدعة، والبدعة: هي كل عبادة لم تشرع ولم يأت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد نهى عن هذا صلوات الله وسلامه عليه، وهذه البدعة من وسائل الشرك.

ثم ينقلهم من هذه الدرجة إلى أن يدعو أصحابها إلى أن يقصدوا القبر ويدعوا صاحبه: يا فلان! جئنا لنطلب منك كذا وكذا، يا سيدنا كذا، يطلبون منه طلبات معينة وغير معينة، وهذا شيء معروف وموجود ومنتشر ولا ينكر هذا، ثم يقولون: ما يفعل هذا إلا الجهال أو الصوفية الذين تمادوا في الباطل وما أشبههم، أما الناس المثقفون أو الناس العقلاء فإنهم لا يقعون في مثل ذلك، ولكن هؤلاء الجهال كثيرون، فلماذا يتركونهم يهلكون في هذا، ويقولون: هم جهال لا يعرفون؟! لو عرفوا لتركوا ذلك، وهم كثيرون، حتى ذكر بعض العلماء الذين يشاهدون بعض هذه الأشياء: أن في مدينة من المدن، في وقت من الأوقات، يقصد القبر في تلك المدينة أكثر من ثلاثمائة ألف، ويجتمعون عنده رجالاً ونساءً، فهل بعد هذا كله نقول: نتركهم، ونقول: هؤلاء جهال، وهذا لا يؤبه به، ولا يلتفت إليه؟! ليس بصحيح، فهذا أمر مهم، ولا يجوز أن يترك المسلم يعبد غير ربه جل وعلا، يجب أن يحذر؛ لأن عبادة غير الله شرك، وإذا مات الإنسان على الشرك فقد أخبر الله أنه لا يغفر أن يشرك به.

ثم يقول: إذا وصلوا إلى هذه الدرجة نقلهم إلى دعوة الناس إلى عبادتها، فيصيرون دعاة، كما ذكرنا أنهم يضعون فيها الأحاديث والكتب، فإذا كانوا دعاة فمعنى ذلك أنهم صاروا في الواقع مضادين لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولدعوته تمام المضادة، ووجد منهم من يفضل هذه المشاهد على المشاعر! يقول: ثم إذا وصلوا إلى هذا الحد نقلهم إلى درجة أخرى، وهي أن من نهى عن ذلك وحذر منه، وأمر بعبادة الله وحده؛ اتخذوه عدواً، وأوجدوا فيه المطاعن بأنواعها، واتهموه بأنه لا يحب الصالحين، وأنه من أعداء الأولياء، وأنه ينهى عن حب الأولياء، حتى قالوا: إنه لا يحب الرسول صلى الله عليه وسلم.

من المعلوم أن الذي لا يحب الرسول يكون كافراً؛ لأن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم يجب أن تقدم على محبة النفس فضلاً عن محبة الولد والمال والآخرين، لأن حبه دين، فهذه الدرجات التي يزينها الشيطان، وينقل الإنسان من درجة إلى أخرى حتى يوصله إلى العبادة لغير الله.

ومن المعلوم أن الإنسان ليس له إلا حياة واحدة وعمر واحد، فإذا انتهت هذه الحياة وانتهى عمره ولم يكن في هذه الحياة وهذا العمر قد اكتسب السعادة بطاعة الله جل وعلا فقد خسر، وهل هذه الخسارة تشبه خسارة الدنيا؛ لأنه من ذهب رأس ماله في الدنيا فقد خسر؟ الواقع أنها لا تشبه هذا؛ لأنه خسر نفسه، وهل توازن النفس بالمال؟ لا.

ثم كيف خسر نفسه؟ هل خسر نفسه لأنه مات فقط؟ لو كان هذا لكان الأمر سهلاً، ولكن خسر نفسه بأنه صار في العذاب الأبدي خالداً فيه ما دامت السماوات والأرض، وكيف النجاة من هذا؟ بالإخلاص، وهل يمكن أن يعود؟ لا يمكن أبداً، انتهت القضية، ويتمنى أن يقضى عليه بالموت ولكن لا يحصل ذلك.

فعلى الإنسان أن يهتم بهذا الأمر أكثر من اهتمامه بتحصيل المال، وأكثر من اهتمامه بتحصل المسكن، وغير ذلك مما يعد من الأمور الضرورية، فهذا أمر ضروري جداً، فالإنسان عليه أن يهتم بنفسه، وأن يعرف دين الله ويتبعه، ويعرف ما يخالف الدين ويجتنبه؛ لأن هذا هو الذي يمكن أن يكون قد أنجى نفسه، مع الاستعانة بالله جل وعلا، وهو خير معين.