للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من أعلام النبوة]

[المسألة التاسعة عشرة: قوله صلى الله عليه وسلم: (لأعطين الراية) إلى آخره علم من أعلام النبوة].

سبق أن أعلام النبوة كثيرة، وأعلام النبوة علاماتها الدالة عليها؛ لأن الذي يخبر بالأمور الغائبة فتقع كما أخبر يكون هذا من الوحي، ولا يكون هذا لمشعوذ أو لساحر أو لكاهن أو ما أشبه ذلك، فإنه لا يتمكن من ذلك، وإن صدق مرة فإنه يكذب مائة مرة.

أما الذي يقع الواقع على وفق خبره فهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك ما يعلم الغيب صلوات الله وسلامه عليه، وإنما يعلم ما علمه الله جل وعلا فقط، فهو رسوله يأتيه الوحي، وقد انفلتت ناقته مرة فحبس الصحابة عليها يبحثون عنها، فتكلم أحد المنافقين كلاماً خبيثاً، فقال: هذا يزعم أنه يأتيه خبر السماء ويأتيه كذا وكذا وهو لا يدري أين ناقته! فنزل عليه خبر السماء بأن فلاناً يقول كذا وكذا، وإن ناقتك في مكان كذا قد حبستها شجرة أمسكت بخطامها.

فقال لهم: (إني -والله- لا أعلم من الغيب إلا ما علمنيه الله جل وعلا، وإن فلاناً قد قال كذا وكذا، وإن الله جل وعلا قد أعلمني أن ناقتي في مكان كذا قد أمسكتها شجرة، فاذهبوا وائتوا بها)، فالمقصود أنه صلوات الله وسلامه عليه لا يعلم من الغيب إلا ما علمه الله.

ولما رميت أفضل نسائه وأحبهن إليه -بل أحب الناس إليه عائشة رضي الله عنها- بالفاحشة، وصار المنافقون يشيعون هذا بقي ما يقرب من شهر وهو لا يدري بالحقيقة، حتى نزل عليه الوحي ببراءتها، وقد استشار أسامة واستشار علياً، فأما علي فقال: النساء كثير، وما جعل الله عليك من حرج.

وأما أسامة فقال: والله ما علمنا إلا خيراً، أًهلَك، واسأل الجارية فإنها تصدقك.

والمقصود أنه ما كان يعلم من الغيب إلا ما علمه الله.

[المسألة العشرون: تفله صلى الله عليه وسلم في عينيه رضي الله عنه علم من أعلامها أيضاً].

يقول رحمه الله تعالى: تفله صلوات الله وسلامه عليه في عيني علي بن أبي طالب علم من أعلام النبوة، وسبق أن العلم معناه: الدلالة والآية الواضحة الدالة على صدقه صلوات الله وسلامه عليه، وأنه رسول من رب العالمين.

وذلك أن هذا شيء لا تناله قوى البشر ولا العادات التي جرت عليها أنظار الناس وتجاربهم، بل هو شيء خارق، فهو من قدرة الله جل وعلا، فالتفل في العين المريضة ما يزيدها إلا مرضاً، ومع ذلك لما تفل فيها صلوات الله وسلامه عليه برئت في الحال، وما احتاجت إلى وقت، بل في الحال، كأنها كانت محزومة فأطلقت، وهذا لا يكون إلا آية من آيات الله جل وعلا.

حتى العلاج الناجح ما يأتي ثماره في لحظه، ما يأتي إلا بعد وقت، فلا بد أن يكون هذا أمر لا تأثير له في للعلاج فيه ولا للبشر فيه، وإنما هو يكون من الله جل وعلا، وهذا معنى الآية ومعنى العلم، أي: شيء لا تأثير للبشر فيه، بل هو من الله جل وعلا بقدرته.

وسبق ذكر الشيء من أعلام نبوته صلوات الله وسلامه عليه، وقلنا: إنه ينبغي للمسلم أن يحرص على قراءة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإنه يزداد بذلك إيماناً ومحبة للرسول صلى الله عليه وسلم.