للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المعيّة والعلو

أما ما يتشبثون به مثل قوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد:٤]، وكون هذا يدل على أن الله في كل مكان فهذا لا ينافي علو الله وارتفاعه؛ لأن ربنا جل وعلا أكبر من كل شيء، وأعظم من كل شيء، وقد دل هذا الحديث على أن أعظم المخلوقات وأكبرها العرش.

وقد سبق في حديث أبي ذر وحديث ابن عباس أن السماوات السبع على سعتهن لا يساوين شيئاً أمام العرش، فالسماء الدنيا محيطة بالأرض من جميع الجهات، فأي جهة ذهبت إليها من الأرض فالسماء فوقك، والسماء الثانية محيطة بالسماء الدنيا من جميع الجهات، فإذا كان كل من على السماء الدنيا، تكون السماء الثانية فوقه في أي جهة كان من السماء، مثل الذي يكون في الأرض، والسماء الثالثة محيطة بالسماء الثانية من جميع الجهات، والسماء الرابعة هكذا، والخامسة والسادسة والسابعة، وأعظم السماوات وأوسعها وأكبرها السماء السابعة، وهي التي فيها الجنة التي أخبر جل وعلا أن عرضها عرض السماوات والأرض؛ لأنها فوق السماء السابعة أكبر من السماوات كلها وأوسع، فهذه السعة الهائلة والبون الشاسع جاء في حديث ابن عباس وحديث أبي ذر: (السماوات السبع بالنسبة للكرسي كسبعة دراهم ألقيت في الفلاة)، يعني: أن الكرسي أكبر من جميع السماوات كلها، فنسبة السماوات إليه كنسبة الدراهم السبعة التي تلقى في الفلاة، ثم نسبة الكرسي إلى العرش كدرهم ألقي في فلاة، فالعرش هو أعظم المخلوقات وأكبرها وأوسعها وأعلاها.

وفوق العرش رب العالمين جل وعلا، فإذاً جميع المخلوقات السماوات والأرضون ومن فيهما بالنسبة لله صغيرة جداً، وتقدم قول الله جل وعلا: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:٦٧]، فعلى سعة السماوات وعظمها يطويها بيده جل وعلا، فتكون صغيرة بالنسبة إليه فكيف مع هذا يجوز أن يتصور أن سماءً من السماوات أو أرضاً تظل الله جل وعلا أو تقله تعالى الله وتقدس، فلا شك أن الذي يعتقد هذا ضال في دينه وفي عقله، وأنه في الحقيقة لم يعرف ربه، ولم يقدره حق قدره.