للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[النهي عن قول: ما شاء الله وشاء فلان]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [قوله: وعن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله، ثم شاء فلان)، رواه أبو داود بسند صحيح.

] هذا من حماية التوحيد؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم حمى جناب التوحيد من كل جانب، وقوله: (لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان)، وذلك أن الواو تقتضي الجمع والتشريك بين المعطوف والمعطوف عليه، وقد يكون فيها مساواة، وقد لا يكون فيها مساواة، بخلاف (ثم) فإنها تدل على الترتيب مع التراخي، فإذا وجد الترتيب مع التراخي زال المحظور أي: لم يكن هناك تشريك، (ولكن قولوا: ما شاء الله، ثم شاء فلان)؛ فإن (ثم) هذه ليست كالواو للمعنى الذي ذكرنا.

وهذا فيما يكون فيه لله مشيئة وللعبد مشيئة، أما الأمور التي يختص بها الله جل وعلا فلا يجوز أن يقال فيها مثل هذا، حتى ما كان له سبب، فالأسباب قد يقوم بها إنسان، ومعلوم أن الأسباب لا تقتضي وجود المسبب بالسبب نفسه، فإن السبب قد يجعل الله جل وعلا له موانع تمنع من حصول المسبب، والأمور كلها بيد الله جل وعلا؛ لأنه هو المالك المتصرف في كل شيء.

المقصود بهذا أن نبين أن الله جل وعلا هو الذي يملك كل شيء ويتصرف فيه، وإذا كان هناك سبب جعله الله لمخلوق فلا يجوز أن يساوى فيه بين الخالق والمخلوق، بل لابد من التمييز بكلمة (ثم).

قال الشارح: [وذلك لأن المعطوف بالواو يكون مساوياً للمعطوف عليه، لكونها إنما وضعت لمطلق الجمع فلا تقتضي ترتيباً، ولا تعقيباً، وتسمية المخلوق بالخالق شرك إن كان في الأصغر -مثل هذا- فهو أصغر، وإن كان في الأكبر فهو أكبر، كما قال الله عنه في الدار الآخرة: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء:٩٧ - ٩٨]، بخلاف المعطوف بثم؛ فإن المعطوف بها يكون متراخياً عن المعطوف عليه بمهلة، فلا محظور لكونه صار تابعاً].

يجب أن يعلم أن هذا القسم الذي صدر من الكفار وهم في النار {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الشعراء:٩٨] يخاطبون فيها من كانوا يعبدونهم، ويتوجهون إليهم، ومعلوم أن هذه التسمية ما سموهم بها ويقصدون فيها خلق السموات والأرض، هذا لا يقوله عاقل، ولا في إيجاد الجنة والنار ولا التصرف في الكون، وإنما التسوية التي سووهم فيها إما الحكم والتعظيم، أو التعلق القلبي التي تعلقوا بها فقط، هذا الذي سووهم فيه، فقولهم: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الشعراء:٩٨]، أي: وقت تسويتنا لكم برب العالمين وإن سووهم به في الحكم، أوالدعاء، أو التعلق القلبي حيث يقولون: نرجوهم أن ينفعونا ويشفعوا لنا.

هذا أمر واضح وضحته الآيات الأخرى، وكذلك الواقع يوضحه.

قال المصنف رحمة الله تعالى: [وجاء عن إبراهيم النخعي رحمه الله أنه يكره أن يقول الرجل: أعوذ بالله وبك، ويجوز أن يقول: بالله ثم بك قال: ويقول: لولا الله ثم فلان، ولا يقول: لولا الله وفلان].

أي: يجوز أن يتعوذ بمخلوق إذا كان المخلوق حياً حاضراً قادراً على أن يعيذك بهذا الشيء؛ لأنه استعاذ بالله أولاً، والاستعاذة بالله من التوحيد بلا شك، ولا ينافي ذلك كون الإنسان يستعيذ بحي حاضر بشيء يمكله هو، أما إذا كان ميتاً أو غائباً أو لا يملك هذا الشيء، فالاستعاذة به تكون شركاً.

قوله: (أعوذ بالله ثم بك)، ولا يقول: (أعوذ بالله وبك)؛ لأن الأمر كما مضى أن الواو تجعل المعطوف مساوياً للمعطوف عليه بالشيء الذي ذكر، فهذا من الشرك بالله.

والمقصود في هذا أن الموحد المؤمن يتنزه في ألفاظه التي يتلفظ بها أن يقع في الشرك، والألفاظ قد تجري عادة بدون قصد، ومع ذلك لا يجوز ذلك، كما يجري على ألسنة كثير من الناس الحلف بالنبي، وهذا حلف بغير الله جل وعلا وهو من الشرك؛ فيجب أن يتنزه عن ذلك، وأن يستغفر الله من ذلك؛ لأنه لا يجوز الحلف إلا بالله جل وعلا أو بصفة من صفاته، وكذلك الاستعاذة، وكذلك اللياذ، وكل ذلك من أنواع العبادة.

وكذلك لا يجوز أن يضاف الأمر إلى سببه، كأن يقول: لولا الله وأنت ما صار كذا وكذا، فإن هذا تشريك ممنوع من جهتين: - الجهة الأولى: التشريك.

- والثانية: أنه لا يجوز أن يضاف الفعل إلى فلان الذي قد يكون هو السبب، أو جزءاً من السبب، بل يجب أن يضاف إلى الله جل وعلا.

قال الشارح: [وقد تقدم الفرق بين ما يجوز، وما لا يجوز من ذلك، وهذا إنما هو في الحي الحاضر الذي له قدرة وسبب في الشيء، وهو الذي يجري في حقه مثل ذلك، وأما في حق الأموات الذين لا إحساس لهم بمن يدعوهم، ولا قدرة لهم على نفع ولا ضر، فلا يقال في حقهم شيء من ذلك، فلا يجوز التعلق عليه بشيء ما بوجه من الوجوه، والقرآن يبين ذلك وينادي بأنه يجعلهم آلهة إذا سئُلوا شيئاً من ذلك، أو رغب إليهم أحد بقوله، أو عمله الباطن أو الظاهر، فمن تدبر القرآن، ورزق فهمه صار على بصيرة من دينه، وبالله التوفيق].

يجب على كل مؤمن أن يتدبر القرآن؛ لأن الله أمر به؛ فإن من لم يتدبره فهو مرتكب لمحرم وسوف يحاسبه الله على ذلك، وبالنسبة للميت كالغائب فلا يجوز أن يستعاذ به، وإنما يستعاذ بالحي الحاضر القادر.

قال الشارح رحمه الله: [والعلم لا يؤخذ قسراً وإنما يؤخذ بأسباب ذكرها بعضهم في قوله: أخي لن تنال العلم إلا بستة سأنبيك عن تفصيلها ببيان ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة وإرشاد أستاذ وطول زمان].

هذه الأسباب كلها إذا فعلها الإنسان قد ينال العلم وقد لا يناله، وإنما الذي سبب الأسباب هو الله جل وعلا؛ فإذا أراد بعبده خيراً فإنه ييسر له هذه الأسباب.

قال الشارح رحمه الله [وأعظم من هذه الستة: من رزقه الله تعالى الفهم والحفظ، وأتعب نفسه في تحصيله، فهو الموفق لمن شاء من عباده، كما قال تعالى: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء:١١٣].

ولقد أحسن العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى حيث قال: والجهل داء قاتل وشفاؤه أمران بالتنفيذ متفقان نص من القرآن أو من سنة وطبيب ذاك العالم الرباني والعلم أقسام ثلاث ما لها من رابع والحق ذو تبيان علم بأوصاف الإله وفعله وكذلك الأسماء للرحمن والأمر والنهي الذي هو دينه وجزاؤه يوم المعاد الثاني والكل في القرآن والسنن التي جاءت عن المبعوث بالقرآن والله ما قال امرؤ متحذلق بسواهما إلا من الهذيان].

يعني: أن العلم لا يخرج عن هذه الأقسام الثلاثة، وهو العلم بالله بأسمائه وصفاته، والعلم بأمره وخبره، يعني: أخباره التي يخبر بها، وأمره الذي يأمر به عباده.

وهذا هو العلم النافع وما عدا ذلك لا خير فيه.