قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ}[المؤمنون:٥٩]].
هذا أيضاً من أوصاف المؤمنين الذين يسبقون إلى الجنة، حيث قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ}[المؤمنون:٥٧]، والخشية: هي انفعال القلب تأثراً بحب الله جل وعلا وإقبالاً عليه ورجاء لثوابه وخوفاً من عذابه، ثم التزام أوامره والابتعاد عن نواهيه.
ثم قال تعالى:{وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ}[المؤمنون:٥٨]، والإيمان يقتضي العمل، والآيات يقصد بها الآيات الكونية والآيات الشرعية، والكونية تستلزم الإيمان بالأقدار وأنها تكون لله جل وعلا، وأن كل شيء يوجد فهو بقدر الله جل وعلا وتكوينه وإرادته، فهم يؤمنون بذلك، والشرعية تستلزم التزام الأمر واجتناب النهي ثم قال تعالى:{وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ}[المؤمنون:٥٩]، فمدحهم باجتناب الشرك وتركه، وهذا يدلنا على أن الذي يجتنب الشرك كله دقه وجله قليله وكثيره يكون من خواص المؤمنين، فيكون من الذين حققوا التوحيد فيسبقون إلى الجنة، وهذا هو وجه الاستدلال بالآية على الباب، وهو أن من حقق التوحيد دخل الجنة؛ لأنه أثنى عليهم باجتناب الشرك، فدل على أن اجتناب الشرك كله يقتضي أن يكون الإنسان محققاً للتوحيد، ويكون توحيده خالصاً لله جل وعلا، فيكون من السبعين ألفاً الذين يسبقون إلى الجنة.
قال الشارح رحمه الله تعالى:[وصف المؤمنين السابقين إلى الجنة فأثنى عليهم بالصفات التي أعظمها أنهم بربهم لا يشركون، ولما كان المرء قد يعرض له ما يقدح في إسلامه من شرك جلي أو خفي نفى ذلك عنهم، وهذا هو تحقيق التوحيد الذي حسنت به أعمالهم وكملت ونفعتهم.
قلت: قوله: حسنت وكملت.
هذا باعتبار سلامتهم من الشرك الأصغر، وأما الشرك الأكبر فلا يقال في تركه ذلك، فتدبر.
ولو قال الشارح: صحت لكان أقوم].
يعني أن الشرك الأكبر اجتنبوه فسلموا من الكفر والخلود في النار فقط، وليس فيه أنهم دخلوا في السبعين ألفاً وسبقوا إلى الجنة؛ لأن اجتناب الشرك الأكبر لا يقتضي اجتناب الأصغر، ولا ترك الذنوب التي يعاقب عليها الإنسان.
قال الشارح رحمه الله تعالى: [قال ابن كثير رحمه الله: {وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ}[المؤمنون:٥٩] أي: لا يعبدون مع الله غيره، بل يوحدونه، ويعلمون أنه لا إله إلا الله، أحد صمد لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، وأنه لا نظير له].
يعني أن هذا يقتضي التوحيد بأقسامه، فقوله:(يعبدونه وحده) مع قوله: (وأنه أحد صمد لا نظير له) يشير بالأول -أنهم يعبدونه- إلى الإخلاص في العبادة وتوحيد الإلهية، ويشير بالثاني إلى الإخلاص في توحيد الصفات والأسماء، وأنه جل وعلا أحد صمد لا شريك له في أحديته وصمديته أيضاً، فيسلم من الشرك في الأقسام الثلاثة كلها.