للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرد على من أنكر صفة الكلام]

الذين يقولون: إن الكلام يتطلب لسان وشفه وغيرهما أن نقول: هذه المتطلبات هي لكلام المخلوقين، وقد أخبرنا الله جل وعلا أن هناك مخلوقات تتكلم وليس لها لسان، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن حجراً من الحجارة كان يسلم عليه ويقول: السلام عليك يا رسول الله، وأخبر الله أن الجبال تسبح مع داود، وأخبر جل وعلا أن الجلود والأسماع والأبصار تنطق وتتكلم، والأيدي تشهد على أصحابها يوم القيامة، فهل لهذه ألسنة؟ قال تعالى: {حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [فصلت:٢٠ - ٢١] فإذا كان هذا موجوداً في مخلوقات حقيرة بالنسبة لله جل وعلا، فكيف يقال: إنه يتطلب ذلك بالنسبة لله! فالواجب أن نثبت ما أثبته الله من غير تشبيه بالمخلوقات، وأن نعتقد أن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في أوصافه إذا تكلم فهو يتكلم حقيقة، والذي ينكر صفة الكلام يلزمه أن ينكر الشرع كله؛ لأن شرع الله كله أوامر وأقوال يقولها جل وعلا يخاطب بها عباده، ولقد تكاثرت النصوص عن الله وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا، ففي كتاب الله {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة:٦] فمن أين يسمع كلام الله؟ أيسمعه من الله؟! بل يسمعه من المبلغ، من الرسول أو ممن يبلغه، فكتاب الله هو كلامه الذي تكلم به وأنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم، فهو كلامه حقيقة، ولهذا لما قال رجل عند ابن عباس: الله رب القرآن؛ زجره وقال: مه! القرآن ليس مخلوقاً، القرآن صفة الله، فيقال: الذي تكلم بالقرآن، أو الذي أنزل القرآن؛ لأن كل مربوب مخلوق، أما قول الله جل وعلا: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون َ} [الصافات:١٨٠] فمعنى رب العزة هنا: صاحب العزة التي هي صفته، ورب يأتي بمعنى صاحب، كما يقال: رب الدار ورب الدابة ورب الكتاب، أي: صاحبه.