قوله:(يا ابن آدم! إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً)، معنى قوله:(لا تشرك بي شيئاً)، أنه ليس هناك شرك معه قليل ولا كثير، ولا كبير ولا صغير.
فهو شرط صعب في الواقع؛ لأن الذي يسلم من الشرك قليله وكثيره وكبيره وصغيره هو القلب السليم الذي أخبر الله جل وعلا أنه في يوم القيامة لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم سالم من الشرك، سالم من عبادة غير الله، مستسلم لله منقاد له، ولكن الشرك ينقسم إلى قسمين: شرك أكبر كعبادة غير الله مع الله العبادة الظاهرة، فهذا لا ينفع معه عمل، وإذا مات الإنسان عليه فمقطوع بأنه في النار وخالدٌ فيها؛ لأن الله جل وعلا يقول:{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء:٤٨]، فجعل الشرك غير مغفور وغير قابل للمغفرة، وأما ما عداه فعلقه بمشيئته، فإذا شاء أن يغفره غفره وإذا شاء أن يؤاخذ عليه أخذ عليه وعاقب، ولكن تكون هذه صفته، فمآله إلى الجنة ولو عوقب ولو أدخل النار.
فهو بعد يخرج ويدخل الجنة، وهذا يرجى له الخير؛ لأن الذي لا يرجى له خير أصلاً هو الذي يموت مشركاً، فإنه يبقى في النار أبداً ما دامت السموات والأرض.
القسم الثاني: شرك أصغر.
والشرك الأصغر مثل قليل الرياء، مثل كون الإنسان يدخل في عمله شيئاً مما ينويه للدنيا، ولكن في بعضه ليس كله، فلا يكون العمل من أصله مقصوداً به شيء من الدنيا، ومثل الحلف بغير الله، ومثل قول الرجل: لولا الله وفلان.
وما أشبه ذلك، فهذا من الشرك الأصغر؛ لأن إسناد الأعمال والأفعال والحوادث إلى أسبابها التي جعلها الله سبباً في وجودها من الشرك الأصغر.
وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم لرجل قابله بقوله: ما شاء الله وشئت.
فقال:(أجعلتني لله نداً؟! بل ما شاء الله وحده)، مع أنه له مشيئة يتصرف فيها حسب ما أعطاه الله جل وعلا ذلك، فهذا الشرك الأصغر لا يخلو إما أن يكون كثيراً يتجمع عند الإنسان بكثرة فإذا وزن مع حسناته رجح على حسناته فهذا يدخل النار، ويكون من أهل النار، ولكن لا يخلد فيها، أو يكون الشرك الأصغر قليلاً وحسناته أغلب وأكثر، فمثل هذا يغفر له، ولكن المغفرة معلقة بمشيئة الله إن شاء أن يغفر غفر وإن شاء أن يأخذ بالذنب أخذ وعاقب، ثم بعد ذلك يكون مآله إلى الجنة.
وقد قال بعض العلماء: إن الشرك الأصغر لا يغفر منه شيء؛ لقول الله جل وعلا:{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء:٤٨]، فجعل الشرك عامة غير مغفور، ومعنى هذا القول أن الذي يكون عنده شرك أصغر لابد أن يعاقب، وليس معنى هذا أن الذي يكون عنده شرك أصغر يكون خارجاً من الإسلام ويكون خالداً في النار، لا.
فقوله تعالى:{وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء:٤٨] يقول هذا القائل: إنه يقصد به ما عدا الشرك، أما الشرك فإذا كان كبيراً فصاحبه من أهل النار، وإن كان صغيراً فصاحبه معذب، ثم بعد ذلك إذا عذب وهذب يكون من أهل الجنة ولكن القول الأول -والله أعلم- هو الأقرب والأصوب؛ لأنه ما دام أنه بهذا الشرك لم يخرج من الدين الإسلامي فيكون ذنبه هذا مثل سائر الذنوب يوزن مع الحسنات، فإن كانت الحسنات أثقل وأكثر فإنه يكون من أهل السعادة وأهل الفوز، وإن رجحت سيئاته عذب حسب ما عنده من السيئات.