[السحر أنواع كثيرة]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب بيان شيء من أنواع السحر].
لما ذكر رحمه الله السحر ذكر أن السحر أنواع متعددة؛ منها: ما هو سحر حقيقي، ومنها: ما هو ملحق بالسحر؛ لأنه يعمل عمل السحر، ومنها: ما يكون أيضاً ملحقاً به ولو من جانب يسير.
فأراد أن يبين بعض الأشياء التي يكثر وقوعها في المسلمين، والمصنف أراد بيان شيء من أنواع السحر، وليس كل الأنواع التي تقع، وإنما التي تكون ملتبسة على كثير من الناس، بل قد تنعكس القضية؛ ويصبح الذي عنده شيء من السحر يُعتقد أنه ولي من الأولياء، وهذا من أكبر الخطأ ومن أعظم الجهل والتخليط والتلبيس.
وهناك أشياء كثيرة تقع من كثير من الناس ويعتقد بعض الجهال أنها كرامة، وهي في الواقع إهانة؛ لأنها سحر أو طاعة للشيطان.
والكرامة لا تكون لصاحب السحر، وليست مخالفة العادة التي يعتادها الناس أو يرونها دليلاً على أن من وقعت على يده يكون من أولياء الله أو أنه كريم على الله، كلا، بل قد يكون كافراً، وقد يكون عدواً لله جل وعلا ولرسوله، فبعض من الناس قد يطير في الهواء ويمشي على الماء ويأتيه ما يريد من المال ومن المتاع وقد تأتيه امرأة فيفجر بها أو يأتيه صبي فيفجر به، وكل هذه الأشياء لا تكون إلا بواسطة الشياطين، وبواسطة السحر.
وقد يأخذ كوزاً فيملأه ذهباً، وقد يأخذ حجراً ويري الناس أنه ذهب، وقد يأخذ تراباً ويُري الناس أنه طعام، وقد يمد يده إلى الشيء فيموت ذلك الشيء، وما أشبه ذلك مما يصنعه أعداء الله وأعداء دينه من الذين يعبدون الشياطين ويتلبسون بهم، ولهذا كثير من هؤلاء تجده وسخاً، وله رعشة خفيفة، وقد يأكل الحيات والعقارب، وقد يتلبس بالنجاسات ولا يتطهر، وقد يكون مصاحباً للكلاب؛ لأن هذا هو الذي يريده الشيطان، فالشياطين تحب النجاسات، ومأواها الحمامات وأماكن النجاسات والقاذورات، فهم يريدون من أوليائهم أن يكونوا كذلك، ومع ذلك فكثير من الناس يقول: هذا ولي من الأولياء، وهو لا يصلي، بل بعضهم يكتب آيات الله بالنجاسة، فيكتب أسماء الله بالنجاسة ثم يعطيها الذي يأتي إليه ليشربها؛ لأن الشيطان يأمره بهذا ويحب هذا؛ وهذا فيه إهانة لأسماء الله جل وعلا ويكفر من يفعلها، والإنسان الذي يبتلى قد يحصل له شفاء من ذلك؛ لأن الشيطان يذهب إلى وليه فيصنع له هذا الشيء فيشفى.
والسحرة أعمالهم كثيرة، فمنهم من يدخل النار بحيلة ولا تضره، وقد يُشاهد أنه يطعن نفسه بسكين أو ما أشبه ذلك ولا تضره، أمور من هذا القبيل يلبس بها على الناس، وقد يكون هذا التلبيس بواسطة الشيطان ويزعم أن هذه ولاية وأنها كرامة، وهي في الواقع من أعمال الشياطين، ولهذا يقول العلماء: لا يجوز للإنسان أن يغتر بمن يقع على يده الخوارق حتى تسبر حالته ويعرف وقوفه مع كتاب الله ومع سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، كما جاء عن الشافعي أنه قال: (لا تغتر بالإنسان وإن مشى على الماء أو طار في الهواء حتى تسبر حاله مع كتاب الله ومع سنة رسوله صلى الله عليه وسلم).
فهذه الأشياء ليست دليلاً على الولاية، بل الدليل الفارق هو تقوى الله، ووقوف الإنسان عند المحرمات، وفعله للواجبات، وابتعاده عن المكروهات طاعةً لله جل وعلا، وخوفاً منه، هذا هو الفارق بين الولي والعدو، والله جل وعلا يقول: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:٦٢ - ٦٣] وهذا وصف الأولياء: {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:٦٣].
وليس من شرط الولي أن تجري على يده شيء من الكرامات، وإنما هذا قد يحدث وقد لا يحدث، ولهذا باتفاق أهل العلم أن أفضل الأمة هم الصحابة، ومع هذا لم تكن الكرامات عندهم كثيرة، بل كانت قليلة، وهي في التابعين واتباع التابعين أكثر منها في الصحابة، وليس معنى ذلك أن التابعين وأتباعهم أفضل من الصحابة.
فالكرامة تكون لحاجة الإنسان، وإذا كانت لحاجته فلا كرامة؛ لأنها قد تكون شيء عجل له من عمله.
والمقصود: أن المؤلف أراد أن يبين لنا شيئاً من ذلك؛ لئلا نغتر بما يغتر به كثير من الناس، فمن الناس من يظهر أنه من الأولياء بفعل شيء خارق للعادة، وأولياء الله لا يمكن أن أحدهم يقول: انظروا إلي فإني من الأولياء، فإن هذا ولي ولكن للشيطان، وليس ولياً لله جل وعلا، فأولياء الله لا يدعون إلى تعظيم أنفسهم، وإلى التعلق بهم، وإلى الفخر على الناس والتكبر عليهم، بل يخافون الله جل وعلا، وتجد أحدهم دائماً خائفاً مشفقاً على نفسه، ويريد أن يخفي عمله، وألا يظهر عمله لأحد؛ لأن أهم ما لديه بل قصده كله هو طاعة ربه، والتحصل على رضاه، ولا يهمه فعل الناس أو قولهم، بل إذا أوذي أحب إليه من أن يمدح؛ لأن مدح الناس يكون فيه فتنة للنفس وإعجاب، وقد يكون في ذلك تكفير لسيئاته؛ لأنه يدل على أنه ما قام بما يجب لله جل وعلا، فسلط الله جل وعلا عليه من يؤذيه بسبب ذلك.