للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دين الأنبياء واحد]

قال الشارح: [قلت: وهذه الآية تفسير الآية التي قبلها، وذلك قوله تعالى: {فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ} [النحل:٣٦]، فتدبر! ودلت هذه الآية على أن الحكمة في إرسال الرسل؛ دعوتهم أممهم إلى عبادة الله وحده، والنهي عن عبادة ما سواه، وأن هذا هو دين الأنبياء والمرسلين وإن اختلفت شريعتهم، كما قال تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة:٤٨]، وأنه لابد في الإيمان من عمل القلب والجوارح].

الشرائع هي التي تشرع للعمل، وتختلف شرائع الأنبياء، وهي التي يكون فيها النسخ، فشريعة تنسخ أخرى، وقد أنكر اليهود ذلك وقالوا: لا يجوز أن تنسخ شريعة موسى بشريعة عيسى.

فأبوا أن يتبعوه، كذلك أبوا أن يتبعوا محمداً صلى الله عليه وسلم من أجل ذلك، أما العبادة والتوحيد فكل الأنبياء دينهم الإسلام، وهو الاستسلام لله بالطاعة والانقياد له وإخلاص الوجه والقلب له، كلهم جاءوا بهذا، وهذا هو معنى (لا إله إلا الله)، فأصل الدين ألا يعبد إلا الله، وأن تكون العبادة بشرعه الذي شرعه لرسله فقط، وهذا أمر تتفق عليه الأديان كلها، وكل نبي جاء به، كما أخبرنا ربنا جل وعلا أنه يرسل الرسل وكل رسول يقول لأمته: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف:٥٩].

أما الشرائع من الحلال والحرام فإنها تختلف، فبعض الشرائع يكون فيها تضييق، وبعضها يكون فيها سعة، وأسمح الشرائع هي الشريعة الإسلامية، فهي سمحة سهلة، إلا أنها في العبادة هي أشد الشرائع لعبادة الله جل وعلا، لهذا سموه الدين الحنيف، والحنيف هو الذي يعدل ويعرض عن جميع الأديان والاتجاهات إلى الله وحده فقط، لهذا بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن كل ما كان فيه شائبة من الشرك فلا يجوز لأمته أن تفعله، حتى الألفاظ في ظاهرها فقط، وإن كان المتكلم لا يعتقد فيها إضافة الأفعال إلى أسبابها، كقول القائل مثلاً: لولا فلان ما كان كذا وكذا، فهذا نهانا عنه صلى الله عليه وسلم، وفي الحديث أنه: (قال له رجل: ما شاء الله وشئت.

فقال: أجعلتني لله نداً؟ قل: ما شاء الله وحده)، ولهذا يقال: إنه صلوات الله وسلامه عليه سد طرق الشرك كلها التي توصل إليه، وحمى التوحيد من شوائب الشرك.