للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى قوله تعالى: (يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين)]

قال المصنف رحمه الله: [وقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال:٦٤]].

قال الشارح رحمه الله: [قال ابن القيم رحمه الله: أي: الله وحده كافيك وكافي أتباعك فلا تحتاجون معه إلى أحد وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقيل المعنى: حسبك الله وحسبك المؤمنون.

قال ابن القيم رحمه الله: وهذا خطأ محض لا يجوز حمل الآية عليه.

فإن الحسب والكفاية لله وحده كالتوكل والتقوى والعبادة، قال الله تعالى: {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال:٦٢]، ففرق بين الحسب والتأييد، فجعل الحسب له وحده، وجعل التأييد له بنصره وبعباده، وأثنى على أهل التوحيد من عباده حيث أفردوه بالحسب، فقال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران:١٧٣]، ولم يقولوا: حسبنا الله ورسوله، ونظير هذا قوله سبحانه: {وقالوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} [التوبة:٥٩]، فتأمل كيف جعل الإيتاء لله والرسول وجعل الحسب له وحده، فلم يقل: وقالوا حسبنا الله ورسوله، بل جعله خالص حقه، كما قال: {إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ}، فجعل الرغبة إليه وحده، كما قال: {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح:٨]، فالرغبة والتوكل والإنابة والحسب لله وحده، كما أن العبادة والتقوى والسجود والنذر والحلف لا يكون إلا له سبحانه وتعالى.

انتهى.

وبهذا يتبين مطابقة الآية للترجمة، فإذا كان هو الكافي لعبده وجب ألا يتوكل إلا عليه، ومتى التفت إلى سواه وكله الله إلى من التفت إليه كما في الحديث: (من تعلق شيئاً وكل إليه).

قال المصنف رحمه الله: [وقوله: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق:٣]].

قال الشارح رحمه الله: [قال ابن القيم: أي: كافيه.

ومن كان الله كافيه وواقيه فلا مطمع فيه لعدو، ولا يضره إلا أذىً لابد منه كالحر والبرد والجوع والعطش، وأما أن يضره بما يبلغ به مراده فلا يكون أبداً.

وفرق بين الأذى الذي هو في الظاهر إيذاء، وفي الحقيقة إحسان وإضرار بنفسه وبين الضرر الذي يتشفى به منه.

قال بعض السلف: جعل الله لكل عمل جزاء من نفسه، وجعل جزاء التوكل عليه نفس كفايته، فقال: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق:٣]، ولم يقل: فله كذا وكذا من الأجر، كما قال في الأعمال، بل جعل نفسه سبحانه كافي عبده المتوكل عليه وحسبه وواقيه، فلو توكل العبد على الله حق توكله وكادته السماوات والأرض ومن فيهن، لجعل الله له مخرجاً وكفاه رزقه ونصره.

انتهى.

وفي أثر رواه أحمد في الزهد عن وهب بن منبه قال: قال الله عز وجل في بعض كتبه: (بعزتي إنه من اعتصم بي فكادته السماوات بمن فيهن والأرضون بمن فيهن فإني أجعل له من ذلك مخرجاً، ومن لم يعتصم بي فإني أقطع يديه من أسباب السماء، وأخسف من تحت قدميه الأرض فأجعله في الهواء، ثم أكله إلى نفسه، كفى بي بعبدي مآلاً، إذا كان عبدي في طاعتي أعطيه قبل أن يسألني، وأستجيب له قبل أن يدعوني، فأنا أعلم بحاجته التي ترفق به منه)].