ومن ناحية أخرى لا يجوز للإنسان أن يستولي عليه الخوف حتى يستبعد أن يغفر الله له ويرحمه، فينتقل من محذور إلى آخر؛ لأن القنوط من رحمة الله واليأس من روحه من الكبائر العظام التي تنقص التوحيد وتذهب بكماله، فلابد أن يكون الإنسان خائفاً من ذنوبه راجياً لرحمة الله، وفضل الله واسع، وكرمه لا نهاية له، ولكنه لا يكون للمفرط العاصي الذي لا يبالي بأمر الله، وإنما يكون لمن فرط ووقع في المعاصي من غير أن يكون مستخفاً بأمر الله جل وعلا ولا مستهتراً به، أما إذا جاء الاستخفاف والاستهتار وعدم المبالاة فهذا يخشى أن ينزع منه الإيمان نهائياً، ويصبح محباً للمعاصي وأهل المعاصي، ثم تتراكم عليه المعاصي حتى يصبح ممن قال الله جل وعلا فيهم:{بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[المطففين:١٤].
ومعلوم أن من كانت ذنوبه غالبة عليه فهو ممن قال الله جل وعلا فيهم:{وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ}[القارعة:٨ - ٩]، فمن ثقلت موازينه ولو بالشيء القليل فهو من المفلحين، ومن خفت موازينه فهو من الخاسرين، فمن ثقلت موازينه فهو في عشية راضية، وأما من خفت موازينه فأمه هاوية، والهاوية: هي جهنم، نسأل الله العافية، فالأعمال توزن، ولكن من فضل الله وكرمه أنه لو فضل للإنسان مثقال ذرة من الحسنات فإن الله يضاعفها له ويدخله بها الجنة، يضاعف هذا المثقال ويدخله به الجنة، ولكن المشكل أن يأتي الإنسان بحسنات كثيرة ويأتي بسيئات أكثر! ومن المعلوم أن اكتساب الحسنات ليس في الصلاة والصوم والزكاة وتلاوة القرآن والذكر فقط، بل هناك أعمال القلوب التي تكتسب بها الحسنات والسيئات، فأعمال القلوب فيها كبائر وصغائر كما أن أعمال الجوارح فيها كبائر وصغائر، فمن أعمال القلوب: الحسد والغل وبغض الحق وكراهيته، فهذه من عظائم الذنوب وإن لم ينطق بها الإنسان، وكذلك النيات الطيبة -كمحبة الخير ونحو ذلك- يتفاوت فيها الناس تفاوتاً كبيراً، وعلى إثر ذلك يؤجرون.
والمقصود: أن الله جل وعلا يذكر لنا في كتابه أنه شديد العقاب، كما يذكر لنا أنه غفور رحيم، ويذكر لنا الجنة وما فيها وما أعد لأهلها، ويذكر لنا النار وما فيها وما أعد لأهلها فيها، كما أنه يذكر أعمال الأمم السابقة التي بسببها أخذوا وأهلكوا، ويذكر أعمال الصالحين التي بسببها نصروا وأكرموا؛ لتكون عبرة لنا فنستمع القول فنتبع أحسنه، وننظر إلى الأعمال ونفعل الأعمال الحسنة ونجتنب الأعمال السيئة، فنرجو الجنة ونخاف من النار.