للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من الكبائر: الإلحاد في الحرم ونكث الصفقة]

قال الشارح: [ولـ ابن أبي حاتم عن علي قال: (الكبائر -فذكر تسعة إلا مال اليتيم- وزاد: العقوق، والتعرب بعد الهجرة، وفراق الجماعة، ونكث الصفقة)].

الإلحاد في الحرم: هو ارتكاب الإثم والمعصية التي تتعلق بأمر الله جل وعلا ونهيه.

وأما نكث الصفقة: فهي إخلاف العهد الذي عقد بينه وبين آخر، ولو كان في أمور بيع أو غيرها ثم ينقضها عامداً قاصداً بغير رضا الآخر، وأعظم ذلك: العهود التي تبرم بين الجماعات أو مع إمام بأن يعطى صفقةً ثم يخالف ويناقض في ذلك، فإن هذا من أعظمها.

وأما الأمور الأخرى التي تكون بين الأفراد فهي تختلف باختلاف المفاسد التي تترتب عليها، ومعلوم أن حق الإنسان على الآخر ممنوع محرم إلا بطيبة نفس منه، وكل مال المسلم على المسلم حرام إلا بطيبة نفس منه، ولهذا جاء في الصحيح: (أن من أكل مال مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان) وجاء (من اقتطع حق مسلم ظلماً لقي الله وهو عليه غضبان، قيل: وإن كان شيئاً قليلاً؟ قال: وإن كان قضيباً من أراك) يعني: وإن كان سواكاً، فهذا مبني على الاستقصاء، والظلم حرمه الله جل وعلا.

أما التعرب فمعناه: أن المهاجر إذا هاجر من بلد الكفر إلى بلد الإسلام فإنه لا يترك موطنه ويذهب أعرابياً في الصحراء.

هذا ممنوع، وهو ليس على إطلاقه فقد جاء ما يدل على جواز ذلك في حالات منها: إذا كثرت الفتن، فإنه جاء في الحديث: (إن خير مال المرء المسلم إذا كثرت الفتن غنم يتتبع بها شعب الجبال يفر بدينه من الفتن) إذا كان هذا المقصود، ولم يكن عند المسلمين اجتماع على الحق وجهاد في سبيل الله، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وإنما صار كل امرء معجب بنفسه، وكل إنسان تبع رأيه، وكثرت الفتن التي قد يقع فيها الإنسان صباح مساء، فهنا إذا ترك الناس وفر بدينه وأصبح أعرابياً كان أسلم له، وقد جاء الإذن في ذلك في هذه الحالة.

وأما إذا كان أمر المسلمين قائماً ومجتمعاً فإن التعرب فيه الجفاء وعدم إقامة الجماعات والتعاون معهم والقيام بأمر الله جل وعلا في كل ما أمر به.

ومن المعلوم أن الله أمر المسلمين أن يجتمعوا، ويعتصموا بحبل الله جميعاً ولا يتفرقوا، فالمقصود كون الإنسان يبقى معهم ولا يتعرب إلا لأمر ضروري.