[قال الله عز وجل:{بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ}[الزمر:٤٩] أي: ليس الأمر كما زعم، بل إنما أنعمنا عليه بهذه النعمة لنختبره فيما أنعمنا عليه أيطيع أم يعصي؟ مع علمنا المتقدم بذلك، (بل هي فتنة) أي: اختبار، (ولكن أكثرهم لا يعلمون)، فلهذا يقولون ما يقولون، ويدعون ما يدعون.
{قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}[الزمر:٥٠] أي: هذه المقالة، وزعم هذا الزعم، وادعى هذه الدعوى كثير ممن سلف من الأمم.
{فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[الزمر:٥٠] أي: فما صح قولهم، ولا نفعهم جمعهم، وما كانوا يكسبون، كما قال تعالى مخبراً عن قارون:{إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ * قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ}[القصص:٧٦ - ٧٨].
وقال تعالى:{وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ}[سبأ:٣٥] انتهى].
القصص التي يذكرها الله جل وعلا لنا في القرآن مثل قصة قارون وعاد وفرعون وبني إسرائيل، وكذلك القصص التي يذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في الحديث الذي ذكره المصنف، المقصود بها: الاعتبار، فنحن المقصودون منها، وليس معنى ذلك أنه مجرد أخبار وقعت فمضت، فيأخذها الإنسان من باب التسلي أو التفكر، وكونه يذكر هذا تاريخاً مضى لأناس مضوا، بل المقصود نحن أن نعتبر نحن بذلك، وألا نقع في مثل ما وقعوا فيه، حتى لا يصيبنا ما أصابهم، هذا هو مغزى القصص وهو المقصود منها.
وفي قصة قارون الذي جمع الأموال وكنزها، ثم نصحه من نصحه من المؤمنين وقالوا: لا تبغ الفساد بأموالك هذه، ولا تنس نصيبك من الدنيا، ولكن أحسن كما أحسن الله إليك، فنصحوه النصيحة التي لو أخذ بها لاجتمعت له نعمة الدنيا والآخرة، ولكنه تكبر وقال: إنما أوتيته على علم عندي، ومعنى (علم عندي) مثل ما قال قتادة: محظوظ عند الله، علم الله أني له أهل وأني أفضل منكم، فزعم أنه يستحق ذلك وجحد نعمة الله، فأخذه الله وخسف به وبداره الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة، نسأل الله العافية.
وأخبر جل وعلا أن من قبله من القرون من هو أكثر منه جمعاً وأقوى منه، وأخذوا بكفرهم وظلمهم، وعادة الإنسان الكافر أنه لا يعتبر بما مضى، ولا بما يجري حوله، إذا كثرت نعمه وكثر ما لديه فإن ذلك يدعوه إلى التكبر والبغي.