[وإسراج مواضع مخصوصة في كل بلد، يحكي لهم حاكٍ أنه رأى في منامه بها أحداً ممن شهر بالصلاح والولاية، فيفعلون ذلك، ويحافظون عليه، مع تضييعهم لفرائض الله تعالى وسننه، ويظنون أنهم متقربون بذلك، ثم يتجاوزون هذا إلى أن يعظم وقع تلك الأماكن في قلوبهم؛ فيعظمونها ويرجون الشفاء لمرضاهم وقضاء حوائجهم بالنذر لها، وهي من عيون وشجر وحائط وحجر، وفي مدينة دمشق من ذلك مواضع متعددة كعوينة الحمى].
أبو شامة كان في القرن السابع أو السادس ومع هذا يقول: كانت هذه الأشياء موجودة، وحتى قبل ذلك الوقت وجد هذا الشيء، وقصده بالعيون: المياه التي تنبع، وتسمى الآن (مياه طبيعية)، ولا يزال الناس يستشفون بها، وقد يتعلق بها بعض الجهال، ويقصدها من أماكن متعددة، ويرى أن فيها الشفاء، والواقع أنه لا شفاء فيها، وإنما الشيطان يزين ذلك حتى يتعلق الإنسان بغير الله جل وعلا.
وقد يشفى الإنسان من باب القدر وليس من باب أن هذا يؤثر، وإنما هو من باب تقدير الله جل وعلا، كما أنه قد ينال مطلبه عندما يتوجه إلى صاحب قبر يدعوه ويستغيث به من باب القدر، أي: أن الله قدر هذا، فيكون في هذا ابتلاء له، فيتسلط عليه الشيطان، ثم يرسخ هذا الشيء في قلبه ويصبح ثابتاً ومتعلقًا به أكثر، وكثير من الناس إذا حصل له ضر أو مرض أو اعتداء من أحد أو مصيبة أو ما أشبه ذلك ذهب يستنجد بهذا المقبور الميت، فإن حصل له مقصوده نسب ذلك إلى الميت السيد الفلاني، وإن لم يحصل له مقصوده يعود على نفسه باللوم، ويقول: أنا اعتقادي بالسيد ليس جيداً، ولو كان اعتقادي بالسيد جيداً وتاماً لوجد مقصودي، فوصل بهم هذا الأمر إلى هذا الحد، وقد حدثني بعض طلبة العلم في بعض البلاد التي زارها: أنه لقي بعض الناس من هذا النوع، فصار يجادلهم ويقول لهم: القبور لا تفيد أحداً، ولا يصلح للإنسان أن يستغيث إلا بالله جل وعلا الذي يملك كل شيء، يقول: في النهاية قالوا لي: لا تجادلنا؛ فعندنا الاقتناع التام بما نحن فيه، ونحن لا نصدقك ولا نقبل كلامك؛ لأننا جربنا هذه الأمور فرأيناها واقعة، فقلت لأحدهم: كيف؟ قال: إنه كان في وقت ما وذهبنا إلى بلد ما فلم نجد من يستقبلنا ولا من يأوينا، وكان الوقت بارداً، فاستغثنا بالشيخ عبد القادر الجيلاني وطلبنا منه الغوث، فجاء إلينا بنفسه يحمل معه بطانيات، فوزع علينا لكل واحد بطانية، يقول: فقلت لهم: ليس هذا عبد القادر الجيلاني، هذا شيطان ذهب وسرق من بعض الحوانيت هذه البطانيات وجاءكم بها ليفتنكم، وهذا هو الواقع، وإلا فـ عبد القادر ميت، لا يخرج من قبره، ولا يستطيع أن يغيث أحداً، وكل ميت هذه صفته، وكل ميت مرتهن في قبره وروحه كذلك لا تأتي ولا تتجدد، ولكن الشيطان هو الذي أضلكم، وتصور لكم بهذه الصورة؛ حتى يثبت الشرك بقلوبكم، وهذا هو الواقع.
فالمقصود: أن الإنسان يفتن في هذه الأشياء، وإذا لم يكن عنده يقين بالله وإيمان به وصدق مع الله فقد يضل، وينبغي للإنسان أن يسأل ربه السلامة والهداية دائماً، وإذا كان الإنسان في بيئة من هذا القبيل تربى فيها وعاش فيها فقد يقتنع بهذا، ويصبح غير قابل لما يقال له.