قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولهما عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن من البيان لسحراً)].
قوله صلى الله عليه وسلم:(إن من البيان لسحراً) عرفنا أن السحر محرم، وإذا كان شيء من البيان يكون سحراً فمعنى هذا: أنه مذموم، وهذا البيان هو الذي يقصد به تغطية الحق وإظهار الباطل وتحسينه.
وقد يكون الإنسان يخفى عليه ذلك فيغتر بالفصاحة والبلاغة والبيان، ويلتبس الحق عنده فيتبع الباطل؛ لأن هذا البيان شبيه بالسحر، هذا هو الصواب في معنى هذا الحديث، وليس كما يقول أهل الأدب: إن هذا من باب المدح، وبعضهم يقول: هذا هو السحر الحلال، والسحر ليس فيه شيء حلال، بل السحر كله حرام، والسبب الذي ذكر في هذا الحديث يبين هذا ويوضحه، وذلك أن رجلاً تكلم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأثنى على نفسه وقال: هذا الرجل يعرف ذلك مني، فتكلم ذلك الرجل بكلام لم يعجب القائل، فقال: والله! إنه يعرف أكثر من هذا، ولكنه يحسدني، فتكلم كلاماً يدل على أن ذلك الرجل عنده من النقص ومن الخلل الشيء الذي قاله، فقال المتكلم: والله! ما كذبت في الأولى ولقد صدقت في الثانية، ولكنني لما رضيت قلت أحسن ما أعرف، ولما غضبت قلت أسوأ ما أعرف، فقال صلى الله عليه وسلم:(إن من البيان لسحراً) يعني: أن الإنسان قد يكون عنده من البلاغة والفصاحة ما يغطي في كلامه على حق الآخر فيبطله ويستولي عليه، فيكون هذا نوعاً من السحر، ولهذا جاء:(أن الله جل وعلا يكره البليغ الذي يتخلل بلسانه كما تتخلل البقرة بلسانها).