للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحزن عند المصائب لا ينافي الرضا والتسليم]

وليس الرضا كونه إذا مات له ميت أو أصيب بمصيبة يفرح بهذا ويضحك لذلك، فبكاء العين وحزن القلب هذا أفضل من كونه لا يبكي ولا يحزن، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لما توفي ابنه إبراهيم بكى ودمعت عيناه، فالبكاء يكون في العين لا من الصوت فقيل له: ما هذا؟ فقال: (هذه رحمة جعلها الله جل وعلا في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء).

وكذلك ما ثبت في الحديث الذي في الصحيحين: لما ذهب إلى إحدى بناته وعندها ابن في سكرات الموت، وقد شخصت عيناه ونفسه تقعقع -كأنها شن يقلبه الهواء من شدة جلبه لنفسه- ففاضت عيناه صلى الله عليه وسلم، فقال له سعد: ما هذا يا رسول الله؟ فمعنى (فاضت) صارت تذرف دمعاً، وقد سمع أنه ينهى عن البكاء، قال: ما هذا؟ يعني: أنك كنت تنهانا عن البكاء، فقال: (هذه رحمة جعلها الله جل وعلا في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء)، وجاء في الحديث الآخر: (إنما نهيت عن صوتين فاجرين أحمقين: صوت عند مصيبة، وصوت عند نعمة)، فصوت اللسان ندب أو دعوى الويل، وكذلك ضرب شيء من البدن إما الوجه أو الفخذ أو الصدر، وكذلك شق الثياب ونحوه، فهذا هو المنهي عنه الذي هو من عمل الشيطان، أما كون الإنسان يحزن قلبه، وتذرف عيناه، فهذا لا ينافي الصبر، ولا ينافي التسليم، وإنما يفعل ذلك لأن هذا المسكين الذي وقع في شدة حالة الموت، ثم يستقبله القبر بظلمته ووحشته وسؤاله وفتنته، فيرحم الإنسان من أجل ذلك، ويبكي عليه من أجل هذا، وتذرف العين من أجل ذلك، وليس لحظ فاته منه، فإن كان يبكيه لأجل حظ نفسه فإن هذا منهي عنه، وإنما يبكى عليه رحمةً له.

وكذلك كونه يحزن عليه القلب، والحزن هذا شيء فات وانتهى، أما الخوف فهو في أمور مستقبلة، ولهذا فإن الملائكة إذا حضروا عند المؤمن لوفاته يقولون: لا تخف ولا تحزن، فالشيء الذي أمامك لا تخف منه فإنك آمن، يطمئنونه في ذلك؛ لأن الحزن يكون على الشيء الذي فات وهو في أمور الدنيا، فيقولون: الشيء الذي تركته وخلفته من مال وأولاد ومشاكل وغيره لا تحزن عليه، فإن أمامك ما هو خير.

والمقصود: أن الصبر أمر واجب، وحق لابد منه، فرض على الإنسان أن يصبر عند المصائب، فإن لم يصبر فإنه آثم، وسوف تمضي المصيبة وإن كان جازعاً، ولا يفيد جزعه شيئاً، وإنما يكتسب بجزعه العقاب ويفوته الثواب، وإن صبر وسلم واحتسب اكتسب الأجر، واكتسب رضا ربه جل وعلا، وانقاد لأمره، وربما يخلف الله جل وعلا عليه أفضل مما ذهب.

لما مات أبو سلمة كانت زوجته أم سلمة قد سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من أصيب بمصيبة فاسترجع وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أؤجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها) سمعته يقول هذا فقالت هذا القول، ثم قالت في نفسها: ومن يكون خيراً من أبي سلمة؟ فجاءها رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي هو خير من أبي سلمة ومن غيره، فهكذا الإنسان إذا سلم وانقاد وصبر، وامتثل أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، ربما يخلف عليه ما هو خير، وسلم من الشيء الذي أصيب به.