[الثامنة: العجب العجاب: خروج من يدعي النبوة مثل المختار مع تكلمه بالشهادتين، وتصريحه بأنه من هذه الأمة، وأن الرسول حق، وأن القرآن حق، وفيه: أن محمداً خاتم النبيين، ومع هذا يصدق في هذا كله مع التضاد الواضح، وقد خرج المختار في آخر عصر الصحابة فتبعه فئام كثيرة].
هذا ليس عجيباً في قدرة الله، وهذا المخلوق فيه من العجائب الشيء الذي إذا نظر الإنسان فيه عرف أن الله جل وعلا على كل شيء قدير، واستدل بذلك على قدرته الظاهرة، وأنه يأتي بالمتناقضات والأمور التي تظهر لمن له بصر أنها آيات لله جل وعلا، هذا شيء.
الشيء الثاني: أن القلوب بيد الله، يقلبها كيف يشاء، فلا يمتنع أن يكون الإنسان عالماً بأنه لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ثم يزيغ قلبه ويعبد غير الله، أو يترك دين الله نهائياً ويعبد الدنيا، أو يعبد معنى من المعاني.
والمختار بن أبي عبيد أراد الرئاسة، وصارت الرئاسة هي مقصده ومعبوده، وزين له الشيطان أن أقرب شيء إلى التمسك به؛ أن يزعم أنه يأتيه الوحي، وأن جبريل يأتيه، ولما أسمع أحد الصحابة أنه يزعم أن جبريل يأتيه أو أن الوحي يأتيه قال: صدق، يأتيه الوحي ولكن وحي الشيطان؛ ولهذا كان يأتي بأشياء قد تلتبس على بعض من لا يميز، فكل مدع دعوى لابد له من شبهة ولو حيلة من الحيل التي يستعملها أمام من تنطلي عليه حيل البشر، وهذا كثير وكثير، وكون الإنسان يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله لابد أن يكون مؤمناً بكتاب الله، ومؤمناً بأخبار الرسول صلى الله عليه وسلم، وإلا لا يفيده، وكتاب الله يبين أنه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، ومعنى الخاتم: أنه ختم الأنبياء به، وليس بعده نبي، فهذه الشهادة لابد منها، وكذلك إخباره أنه آخر الأنبياء ولا نبي بعده، وأن على أمته تقوم الساعة، وأن أمته آخر الأمم، هذا أمر ضروري، فكل مسلم لابد أن يعتقد هذا، فكيف يأتي إنسان مؤمن يقول: لا إله إلا الله ويزعم أنه أوحي إليه؟! هذا تناقض، وكيف يصدق المتناقض في الأصل العظيم؟ ولكن للعبرة والاعتبار، فالإنسان عليه أن يسأل ربه الثبات دائماً، ولا يثق بعلمه وقوته وقدرته على كل شيء، والقلب أمره سهل، فقد ينقلب القلب، فبدل ما كان مستقيماً صار منتكساً، ولهذا في الدعاء المشروع:(اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه).
أما إذا كان الحق والباطل ملتبساً على الإنسان فإنه لابد أن يضل، فالأمر بيد الله.
على الإنسان أن يلهج بذلك دائماً، ويسأل الله جل وعلا أن يريه الحق ويثبته عليه، وإلا لا يستطيع أن يعرف الحق بقوته، ويسير عليه بقوته إن لم يثبته الله جل وعلا، ويمن عليه بالثبات، هذا هو الأصل في ذلك، وإذا خذل الإنسان وإن كان عالماً ضل، وكم من عالم وصل إلى مستوىً رفيع في العلم انحرف وأصبح ملحداً وزنديقاً يكفر بالله جل وعلا بعد العلم، وبعد العبادة، وبعد مضي الوقت في الجد والاجتهاد! خذل في آخر الأمر! وبالعكس قد يكون الإنسان ملحداً كافراً ثم يمن الله جل وعلا عليه ويهديه في آخر حياته، ويعرف ويبصر بعد العمى.