[المعاصي تذهب كمال الإيمان الواجب]
قال الشارح رحمه الله: [قوله: (حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به) الهوى -بالقصر- أي: ما يهواه وتحبه نفسه وتميل إليه.
فإن كان الذي تحبه وتميل إليه نفسه ويعمل به تابعاً لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخرج عنه إلى ما يخالفه فهذه صفة أهل الإيمان المطلق، وإن كان بخلاف ذلك.
أو في بعض أحواله أو أكثرها انتفى عنه من الإيمان كماله الواجب، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن).
يعني أنه بالمعصية ينتفي كمال الإيمان الواجب، وينزل عنه إلى درجة الإسلام، وينقص إيمانه فلا يطلق عليه الإيمان إلا بقيد المعصية، أو الفسوق، فيقال: مؤمن عاصٍ، أو يقال: مؤمن بإيمانه فاسق بمعصيته، فيكون معه مطلق الإيمان الذي لا يصح إسلامه إلا به، كما قال تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء:٩٢].
والأدلة على ما عليه سلف الأمة وأئمتها أن الإيمان قول وعمل ونية يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أكثر من أن تحصر.
ومن ذلك قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة:١٤٣] أي: صلاتكم إلى بيت المقدس قبل تحويل القبلة، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لوفد عبد القيس: (آمركم بالإيمان بالله وحده، أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ شهادة أن لا إله إلا الله) الحديث وهو وفي الصحيحين والسنن].
بيان هذا: أن الإيمان مركب من أمور ثلاثة، وليس الإيمان جزءاً كما تزعمه المرجئة ومن نحا نحوهم من أهل البدع، وأنه مجرد التصديق أو القول وما أشبه ذلك، أو أنه إذا ذهب بعضه ذهب كله، فلا زيادة ولا نقصان، فهذا باطل، بنص كلام الله جل وعلا؛ فإنه أخبر جل وعلا أن المؤمنين {إِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [الأنفال:٢] {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا} [الفتح:٤]، {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [المدثر:٣١] في آيات كثيرة متعددة.
وهذا شأن أهل البدع يتركون النصوص الجلية الواضحة التي لا إشكال فيها، ويتعلقون بما يوافق أهواءهم من المتشابه، ويتركون الواضح، وقد حذرنا الله جل وعلا ورسوله منهم، فأخبر أنه أنزل الكتاب، وأن الكتاب يشتمل على آيات محكمات وأخر متشابهات، فقال: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ} [آل عمران:٧]، يعني: يتبعون المتشابه طالبين الفتنة التي وقعوا فيها وهي الانحراف، ثم يؤولونه ويحرفونه بالتأويل الذي يتفق مع مرادهم، ومن فعل ذلك لا يكون راضياً بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، بل يكون غير راض به، ويكون متبعاً لمراده وهواه.
وهذا قد يكون خارجاً عن دين الإسلام -نسأل الله العافية-؛ لأنه لم يرض بحكم الله، ولم يتابع الرسول صلى الله عليه وسلم، فالإيمان يكون في القلب، ويكون في اللسان يكون بالعمل بالأعمال.
أما القلب فلابد أن يعلم الإنسان يقيناً أن الله ربه وإلهه، وأنه لا يستحق العبادة غيره، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول الحق جاء من عند الله بالهدى، وأن ما جاء به هو الذي ينجي من اتبعه، ومن لم يتبعه فهو ضال وهالك.