للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وجوب شكر النعم وقلة الشاكرين]

أركان شكر النعمة ثلاثة: الأول: الاعتراف أن الله هو المنعم، والاعتراف مصدره القلب ثم يأتي على الجوارح، فلابد من شكر اللسان وغيره من الجوارح.

الثاني: أن تنسب النعمة إليه ولا تنسب إلى الأسباب.

الثالث: أن يستعمل النعمة في طاعته.

فهذه إذا أتى بها العبد فقد شكر نعمة الله، والله جل وعلا يقول: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:١٣]، فقليل من عباد الله هم الذين يشكرون الله جل وعلا، وأكثرهم وإن اعترفوا بأن النعمة من الله، فلا يخلو هذا الاعتراف من النظر إلى الأسباب والاعتماد عليها، والاعتماد على السبب نوع من أنواع الشرك، وكونه يعطل السبب ولا يلتفت إليه قدح في الشرع وفي العقل أيضاً، فلابد من السبب، ولكن السبب جعله الله سبباً، وإذا شاء عطله وأصبح مفعوله لا أثر له، وإذا شاء أتى بالموانع.

فعلى العبد أن يستعمل النعمة في طاعة الله جل وعلا، ويتقوى بها على طاعته، وهذا من الشكر، أما إذا تخلف واحد منها فلم يأت الإنسان بالشكر الذي يجب عليه، فيجب على عباد الله أن يشكروه على نعمه، ونعم الله كثيرة جداً، لا يستطيع الإنسان أن يقوم بشكرها، ولكن من رحمة الله جل وعلا أنه يقبل القليل، ويعفو عن الكثير، وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يصبح على كل سلامى من ابن آدم صدقة)، والسلامى: المفصل الذي في الجسد، يعني: العظم الذي إذا فصله فاصل انفصل، فهذا يسمى سلامى، وذكر أن في الجسد ثلاثمائة وستين مفصلاً، فيصبح عليه كل يوم ثلاثمائة وستون صدقة بقدر هذه النعم؛ لأن هذه كلها نعم من الله جل وعلا، ولما استكثر الصحابة هذا وقالوا: كيف يقوم الإنسان بهذه الصدقات الكثيرة؟ قال صلى الله عليه وسلم: (أمرك بالمعروف صدقة، ونهيك عن المنكر صدقة، وإماطة الأذى عن الطريق صدقة، والكلمة الطيبة صدقة) فأعمال الخير كثيرة جداً، وبعض الناس يبخل على نفسه في بذل الخير الذي يعود نفعه إليه.

فهذا كله مما يدل على وجوب الشكر لله جل وعلا، فيشكر الإنسان نعمة الله، وقد سبق أن قلنا: إن أكبر هذه النعم وأعظمها أن جعل الله جل وعلا عبده من المسلمين، فهذه هي أعظم النعم التي يجب على الإنسان أن يشكر الله جل وعلا عليها، ويقوم بامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه، حتى تبقى نعمة الله عليه؛ لأنه بالشكر تستقر النعم، وبكفر النعمة تزول وتهرب، كما في قصة الثلاثة، فعندما شكر الأعمى أقرت النعمة عنده، وازدادت، وتحصل على الرضا، وأما صاحباه فكفرا النعمة وجحداها، فزالت نعمتهما، وعادا إلى ما كانا عليه، وهذا عذاب عاجل، والعذاب الآجل أشد وأبقى.