قال الشارح:[فكلمة الإخلاص لا إله إلا الله تنفى كل شرك في أي نوع كان من أنواع العبادة وتثبت العبادة بجميع أفرادها لله تعالى، وقد تقدم بيان أن الإله هو المألوه الذي تألهه القلوب بالمحبة وغيرها من أنواع العبادة فلا إله إلا الله نفت ذلك كله عن غير الله، وأثبتته لله وحده، فهذا هو ما دلت عليه كلمة الإخلاص مطابقة، فلابد من معرفة معناها، واعتقاده، وقبوله، والعمل به باطناً وظاهراً، والله أعلم] يعني: لا بد من معرفة معناها وقبوله، أي: قبول هذا المعنى والعمل به في الظاهر أي: في الجوارح، وفي الباطن يعني: في القلب، حتى يتحصل قائلها على الوعد الذي جاءت به الأحاديث، فإن من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة؛ لأن قولها: ليس مجرد الكلام اللفظي، فمجرد الكلام اللفظي بدون اعتقاد المعنى أو العمل بما دلت عليه لا يفيد، فاليهود يقولون: لا إله إلا الله، وهم كفار، ولا يفيدهم قول: لا إله إلا الله، وهم أصناف، ومنهم من لا يشرك، بل يعيب على المشركين الشرك، ومع ذلك هم في جهنم؛ لأنهم لم يقبلوا ما دلت عليه، ولم يعملوا بها.
وكذلك الجزء الآخر من الشهادتين، وهو شهادة أن محمداً رسول الله، لم يقبلوا ذلك، ولم يؤمنوا به، ولم يعملوا به، مع أنهم في باطن أمرهم متيقنون أنه رسول الله، كما قال الله جل وعلا:{يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ}[البقرة:١٤٦]، يعرفون أن الرسول صلى الله عليه وسلم رسول من الله كما يعرف أحدهم ابنه أنه ولده، وقد جاء عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه أنه قال: والله إننا لنعرفه أكثر من معرفتنا لأبنائنا؛ وذلك أن أحدنا يخرج من بيته فلا يدري ماذا تصنع زوجته، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس عندنا أي ارتياب أو شك في أنه رسول من عند الله بالصفات التي عرفناها بكتاب الله جل وعلا.
ومع هذه المعرفة هم كفار بالله؛ لأنهم لم يقبلوا ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يعملوا به.
وقد اتفق العلماء على أن من لم يقبل ما دلت عليه لا إله إلا الله فإنه كافر ويقاتل، ولو كان ما لم يقبله من الواجبات، فإن كل واجب في الإسلام هو من حق لا إله إلا الله، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم:(أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله -جل وعلا-) فلهذا لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وظهر من الناس أمور عجيبة، منهم من قال: لو كان نبياً ما مات، ومنهم من قال: كنا نؤدي إليه الزكاة في حياته، أما بعد وفاته فلن نؤديها وأبى من دفعها، ومنهم من ارتد نهائياً وعاد إلى الشرك؛ فلم يفرق الصحابة بين هؤلاء كلهم، بل جعلوا قتالهم كله قتال ردة، وقاتلوهم حتى رجعوا إلى الإسلام، ومع ذلك لما انتصر عليهم الصحابة، وأظهر من أظهر منهم التوبة من الذين بقوا واستسلموا؛ لم يقبل منهم الصحابة بقيادة أبي بكر الصديق حتى يشهدوا بأن قتلاهم في النار، وأن قتلى الصحابة في الجنة؛ لأنهم ارتدوا عن دين الله جل وعلا، وارتكبوا أموراً عظيمة، ولما روجع في هذا وقيل له: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله) فقال لهم: ألم يقل: (إلا بحقها)؟ فوالله! لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه، فأجمع الصحابة بعد ذلك على هذا، فعلى هذا لو أن إنساناً قال: لا إله إلا الله، وعبد الله، وأدى الصلاة، ولكنه امتنع من الوضوء، أبى أن يتوضأ، وصار يصلي بلا وضوء؛ فإنه يكفر بلا إله إلا الله، فإن الإسلام كله مرتبط بهذه الكلمة، وكل ما فيه من حقها، والذي يمتنع من واجب من الواجبات يجب على إمام المسلم أن يقاتله حتى يلتزم بالحق، ويجب على المسلمين أن يعاونوه على ذلك حتى يلتزم بأمر الله جل وعلا ويقبله، وينقاد له، وهذا أمر متفق عليه بين العلماء لا خلاف بينهم فيه.
وهذا يدلنا على جهل الذين يتجهون إلى القبور ويعبدونها، ويدعون أصحابها ويتضرعون إليهم، ثم يقولون: إننا نقول: لا إله إلا الله، فنحن مسلمون موحدون، ولا يجوز أن نرمى بشيء من الشرك أو من المخالفات التي تجعل صاحبها خارجاً عن الدين الإسلامي، هذا يدل على جهلهم، وأنهم لم يعرفوا الإسلام في الواقع.