للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم تعبيد الأسماء لغير الله]

إذا ولد لكثير من الناس مولود قد يعبدونه لغير الله، والتعبيد إما أن يكون ظاهراً بالتسمية، كأن يسميه مثلاً: عبد النبي أو عبد الكعبة، أو عبد علي، أو عبد الحسين، أو ما أشبه ذلك كما هو معروف لمن قرأ في تاريخ العرب، فكثيراً ما نسمع التعبيد لغير الله، ومن الأسماء المشهورة: عبد الدار، عبد المطلب، عبد شمس، عبد اللات، عبد مناة، وهذا كثير جداً، فيعبدونهم إما بالأصنام التي يعبدونها أو بغيرها، فهذا شرك في الربوبية، ويتبعه الشرك في الإلهية، وهذا هو المقصود بالآية، فالله هو الذي تفرد بخلق هذا المولود من نطفة، ثم نقله في الأطوار التي تكون في بطن الزوجة طوراً بعد طور، نطفة ثم علقة -والعلقة هي قطعة دم- ثم مضغة -والمضغة قطعة لحم- ثم بعد ذلك يجعل له الأعضاء والجوف والقلب والعين والرأس وغير ذلك، فهل الزوج والزوجة لهما دخل في هذا أو أحد من الخلق كالطبيب أو غيره؟ هذا كله من الله جل وعلا، فهو الذي يصوركم في بطون أمهاتكم، وهو الذي تفضل بذلك، فإذا ولد المولود سليماً صالحاً فإما أن يعبد تعبيداً ظاهراً لله، أو يعبد للدنيا أو لأمور أخرى، وهذا يصرفه عن عبادة الله جل وعلا، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) كالبهيمة تولد سليمة لا تجد فيها جدعاء، فالعرب كانوا يقطعون آذانها؛ لأنها تولد كاملة الخلقة ليس فيها شيء، ثم يقطعون آذانها.

فالمربي مثل الوالد والوالدة يصرف المولود عن عبادة الله جل وعلا بالتربية، وهذا من كفر النعمة، فمن فعل ذلك فقد قابل النعمة بالكفران، وهذا ذنب عظيم يجب ألا يقع فيه المسلم العاقل، قال جل وعلا: (فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا) يعني: سليماً ليس فيه عيب في خلقته (جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا) يعني: من المخلوق المولود، فيجعلا لله شركاء بالتسمية، كأن يسمياه مثلاً: عبد الحارث، أو عبد مناة، أو عبد اللات، أو عبد شمس، أو عبد علي، أو عبد الكعبة، أو عبد النبي، أو عبد الحسين، أو ما أشبه ذلك مما هو معروف بين الناس.

فالمعنى: أن هذا مستمر في بني آدم، وليس المقصود به أبو البشر فقط، وهذا القول هو الراجح والله أعلم، وإن كان الشارح رحمه الله رجح القول الأول وقال: هو الذي يدل عليه سياق الآية، ولا ينبغي أن يحاد عنه، ولكن هذا اجتهاد منه رحمه الله، والاجتهاد قد يكون صواباً وقد يكون خطأً، والظاهر والله أعلم أن القول الثاني هو الصواب، وليس المقصود آدم، وإنما المقصود ذريته، أما التسمية فهي من جنس الزوج والزوجة، وهذا يقع فيه كثير من الناس، وليس المراد آدم وحواء؛ ولهذا قال جل وعلا: {فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} فجمع هنا؛ لأن المقصود بنو آدم من المشركين الذين يفعلون ذلك.