[معنى قوله: أن تحمدهم على رزق الله وأن تذمهم على ما لم يؤتك]
قوله:(أن ترضي الناس بسخط الله) أي: تؤثر رضاهم على رضى الله؛ وذلك إذا لم يقم بقلبه من إعظام الله وإجلاله وهيبته، ما يمنعه من استجلاب رضى المخلوق بما يجلب له سخط خالقه وربه ومليكه، الذي يتصرف في القلوب، ويفرج الكروب، ويغفر الذنوب، وبهذا الاعتبار يدخل في نوع من الشرك؛ لأنه آثر رضى المخلوق على رضى الله، وتقرب إليه بما يسخط الله، ولا يسلم من هذا إلا من سلمه الله، ووفقه لمعرفته، ومعرفة ما يجوز على الله من إثبات صفاته على ما يليق بجلاله، وتنزيهه تعالى عن كل ما ينافي كماله، ومعرفة توحيده في ربوبيته وإلهيته، وبالله التوفيق.
قوله:(وأن تحمدهم على رزق الله) أي: على ما وصل إليك من أيديهم، بأن تضيفه إليهم وتحمدهم عليه، فإن المتفضل في الحقيقة هو الله وحده، الذي قدره لك وأوصله إليك، وإذا أراد أمراً قيض له أسباباً، ولا ينافي هذا حديث:(من لا يشكر الناس لا يشكر الله)؛ لأن شكرهم إنما هو بالدعاء لهم، لكون الله ساقه على أيديهم، فتدعو لهم أو تكافئهم، وفي الحديث:(من صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه) فإضافة الصنيعة إليهم؛ لكونهم صاروا سبباً في إيصال المعروف إليك، والذي قدره وساقه هو الله وحده.
قوله:(وأن تذمهم على ما لم يؤتك الله)؛ لأنه لم يقدر لك ما طلبته على أيديهم، فلو قدره لك لساقته المقادير إليك، فمن علم أن المتفرد بالعطاء والمنع هو الله وحده، وأنه هو الذي يرزق العبد بسبب وبلا سبب ومن حيث لا يحتسب، لم يمدح مخلوقاً على رزق، ولم يذمه على منع، ويفوض أمره إلى الله، ويعتمد عليه في أمور دينه ودنياه، وقد قرر النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى بقوله في الحديث:(إن رزق الله لا يجره حرص حريص ولا يرده كراهية كاره)، كما قال تعالى:{مَا يَفْتَحْ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[فاطر:٢].
قال شيخ الإسلام رحمه الله: اليقين يتضمن اليقين في القيام بأمر الله وما وعد الله أهل طاعته، ويتضمن اليقين بقدر الله وخلقه وتدبيره، فإذا أرضيتهم بسخط الله لم تكن موقناً لا بوعده ولا برزقه، فإنه إنما يحمل الإنسان على ذلك: إما ميل إلى ما في أيدي الناس، فيترك القيام فيهم بأمر الله لما يرجوه منهم، وإما ضعف تصديقه بما وعد الله أهل طاعته، من النصر والتأييد والثواب في الدنيا والآخرة، فإنك إذا أرضيت الله نصرك ورزقك وكفاك مئونتهم، وإرضاؤهم بما يسخطه إنما يكون خوفاً منهم ورجاءً لهم، وذلك من ضعف اليقين، وإذا لم يقدر لك ما تظن أنهم يفعلونه معك فالأمر في ذلك إلى الله لا لهم، فإنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فإذا ذممتهم على ما لم يقدر كان ذلك من ضعف يقينك، فلا تخفهم ولا ترجهم ولا تذمهم من جهة نفسك وهواك، ولكن من حمده الله ورسوله منهم فهو المحمود، ومن ذمه الله ورسوله منهم فهو المذموم، ولما قال بعض وفد بني تميم:(أي محمد! أعطني، فإن حمدي زين وذمي شين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ذاك الله).
ودل الحديث على أن الإيمان يزيد وينقص، وأن الأعمال من مسمى الإيمان].