قوله صلى الله عليه وسلم:(أجعلتني لله نداً؟! فكيف بمن قال: يا أكرم الخلق؟
[الثانية: فهم الإنسان إذا كان له هوى.
الثالثة: قوله صلى الله عليه وسلم: (أجعلتني لله نداً؟) فكيف بمن قال: يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك والبيتين بعده؟!].
رجلٌ يحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر من الأمور، فأخبره الرسول صلى الله عليه وسلم بالشيء الذي يوافقه فقال الرجل: ما شاء الله وشئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(أجعلني لله نداً؟) وذلك أنه قرن مشيئة الرسول صلى الله عليه وسلم مع مشيئة الله، فصار مقتضى ذلك أنها مشاركة لها بهذا اللفظ، يعني: مشاركة بمقتضى العطف واللفظ، والمشاركة تدل على الشرك.
وهذا مجرد اللفظ فقط وإلا فالمعنى لا يعتقده هذا، ومع ذلك أنكره الرسول صلى الله عليه وسلم وجعله تنديداً ونوعاً من الشرك؛ لأن الند هو المثل والنظير، فإذا كان كذلك فكيف بالذي يقول:(ما لي من ألوذ به سواك) يخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم، ويقصد بها صاحب البردة البوصيري حينما يقول: يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي فضلاً وإلا فقل يا زلة القدم ولن يضيق رسول الله جاهك بي إذا الكريم تحلى باسم منتقم فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علوم اللوح والقلم إلى آخر ما يقول: فإن هذا أمر عظيم جداً! فإنه جعل ما لله جل وعلا للرسول صلى الله عليه وسلم، بل صار يستغيث بالرسول من الله:(ما لي من ألوذ به سواك)، أين الله؟! (إذا الكريم تحلى باسم منتقم)، يعني يقول: إذا غضب الله يوم القيامة فما لي إلا أنت ألوذ به، وهذا من أعظم الشرك، بل ما كان المشركون يقولون هذا ولا قريباً منه.
وكذلك قوله:(ولن يضيق رسول الله جاهك بي) يعني: هو يناديه يقول: لا يضيق جاهك يا رسول الله بي يوم القيامة! فأنا أحتمي به! فمعنى ذلك أنه يطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم من دون الله، وهذا هو الشرك الأعظم.
وقوله:(فإن من جودك الدنيا وضرتها) هذا كذب واضح، الدنيا وضرتها التي هي الآخرة كلها لله، ما لأحد فيها شيء، لا للرسول ولا لغيره.
وهذه المنظومة كثير من الناس اتخذها له شبه الورد الذي يتقرب بقراءته وتلاوته إلى الله، مع أنها شرك أكبر، وليس معنى ذلك أن نحكم على الرجل الذي قالها - البوصيري - بأنه مشرك؛ لأننا لا ندري ماذا مات عليه، فيقول: أمره إلى الله، ولكن هذا القول وهذا الكلام الذي يقوله هو شرك، فإن كان مات عليه فإنه مات مشركاً، ولكن يرجى أنه تاب ورجع إلى ربه جل وعلا، وليس المقصود إنساناً بعينه أو كلاماً بعينه، وإنما المقصود الموازنة بين قول الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل الذي قال له:(ما شاء الله وشئت) وبين قول الذين يزعمون أنهم يحبون رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يصبحون ينادونه ويستغيثون به ويجعلونه هو ملاذهم وعياذهم من دون الله جل وعلا، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء بخلاف ذلك، ودينه يبطل هذا.
فلا يجتمع هذا الاعتقاد مع اعتقاد أن محمداً رسول الله، فإن معنى شهادة أن محمداً رسول الله طاعته في أمره، واتباعه على شرعه، وأن الدين ليس إلا ما جاء به فقط، هذا هو معناه، فمن اعتقد غير ذلك فهو ضال.