للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى قول الله تعالى: (ولئن أذقناه رحمة منا)]

وقوله: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا} [فصلت:٥٠] من المعلوم أن إذاقة الشيء يقصد بها الطعم الذي يذوقه، مثل الذي يأكل الطعام ويتذوقه، وذلك أن النعم مآلها إلى هذا، وقد يكون ذوقها ذوقاً معنوياً، ويكون أعظم لذةً من الحقيقي، وكل النعم مصدرها من الله جل وعلا، فعلى هذا وجوب شكر نعم الله جل وعلا، وقبل ذلك يجب على الإنسان أن يعلم أن كل ما وقع له من خير فهو من الله، أما إذا وقع له ضد ذلك فسببه معصيته، كما قال جل وعلا: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحديد:٢٢]، وقوله: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:٣٠]، وقال جل وعلا: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء:٧٩] يعني: السيئة تقابل الحسنة، والحسنة المقصود بها النعم التي ينعم الله جل وعلا بها على الإنسان.

وقوله: (من نفسك) يعني: نفسك هي سبب عملك، ثم كون الإنسان يدعي بأنه محظوظ ولهذا حصل له كذا وكذا، أو أنه كريم عند الله؛ ولهذا حصل له كذا وكذا، هذه دعوى على الله، وربما يكون الأمر بالعكس؛ لأن الله جل وعلا يبتلي بالنعم الذي يحبه والذي لا يحبه، الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولكنها ابتلاء واختبار؛ لينظر من يشكر ومن يكفر، فمن شكر زيد نعمة، ومن كفر فإنه لا يعجز الله، ويعاقبه الله جل وعلا، ويسلب نعمته؛ لأن الله جل وعلا يقول: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:٧].

والأقوال التي ذكرها السلف متقاربة، قوله: أنا حقيق به، أو أنا حصلته بكسبي وبعملي، أي: بحسن تصرفي، أو بكوني علمت كيفية طرق المكاسب، أو بقوله: هذا أعطاني الله جل وعلا لأنني محظوظ عنده، أو قوله: أنا مستحق لذلك، أو قوله: أنا شريف، أو قوله: أنا عند الله جل وعلا محبوب أو كريم فأعطاني ذلك كل هذه من أعمال وأقوال الكفار التي لا يجوز للمسلم أن يقول شيئاً منها، ويجب عليه أن يجعل النعم مستعملةً في طاعة الله، ويعترف بأنها من عند الله جل وعلا، حتى يكون عبداً لله.

ومعلوم أن معنى الرب جل وعلا: رب العالمين، أي: الذي يربيهم بنعمه، ويقوم على مصالحهم، فهو ربهم الذي يربيهم بما يصلح حياتهم، وهذه التربية قد يعترف بها من يعترف من المؤمنين، ويشكر الله عليها، وقد لا يعترف بها أكثر الناس، فيكون ذلك وبالاً عليهم، ويكونون من أهل العذاب، نسأل الله العافية.

قال الشارح رحمه الله تعالى: [قوله: باب قول الله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ} [فصلت:٥٠] الآية.

ذكر المصنف رحمه الله تعالى عن ابن عباس وغيره من المفسرين في معنى هذه الآية وما بعدها ما يكفي في المعنى ويشفي.

قوله: قال مجاهد: هذا بعملي وأنا محقوق به، وقال ابن عباس: يريد من عندي، وقوله: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} [القصص:٧٨] قال قتادة: على علم مني بوجوه المكاسب].

قول مجاهد وقول ابن عباس: على علم مني بوجوه المكاسب، وعلى علم عندي يعني: أني أعلم ذلك، أعلم كيف أكتسب، أعلم كيف أتصرف، وهو في الواقع مسكين! إذ لو أن الله منعه نعمته لما استطاع أن يسقي نفسه شربة ماء.

قال الشارح رحمه الله: [وقال آخرون: على علم من الله أني له أهل، وهذا معنى قول مجاهد: أوتيته على شرف.

يعني: أن الله جل وعلا شرفني على كثير من الناس فأعطاني ذلك؛ لأني شريف أو كريم عنده.

وليس فيما ذكروه اختلاف وإنما هي أفراد المعنى].