قال الشارح رحمه الله تعالى:[فإن الله لا يعطي عبده شيئاً عن كراهة ولا عن عظم مسألة، وقد قال بعض الشعراء فيمن يمدحه: ويعظم في عين الصغير صغارها ويصغر في عين العظيم العظائم].
يعني: المخلوق مهما أعطى فإن عطاءه محدود ومحصور، فلا يجوز أن يقاس رب العالمين جل وعلا في كرمه وجوده وعطائه بعطاء مخلوق ضعيف فقير مهما كان، حتى وإن كان ملكاً، فكلما في الدنيا محدود، فلا يجوز أن يقاس فعل الله بأمور الدنيا، وكل ما في الدنيا من العطاء فهو من الله، فهو الذي يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير.
قال الشارح رحمه الله تعالى: [وأما هذا: بالنسبة إلى ما في نفوس أرباب الدنيا، وإلا فإن العبد يعطي تارة، ويمنع أكثر، ويعطي كرهاً، والبخل عليه أغلب، وبالنسبة إلى حاله هذه فليس عطاؤه بعظيم.
وأما ما يعطيه الله تعالى عباده فهو دائم مستمر، يجود بالنوال قبل السؤال، من حيث وضعت النطفة في الرحم، فنعمه على الجنين في بطن أمه دارة، يربيه أحسن تربية، فإذا وضعته أمه عطف عليه والديه، ورباه بنعمه حتى يبلغ أشده، يتقلب في نعم الله مدة حياته.
فإذا كانت حياته على الإيمان والتقوى ازدادت نعم الله تعالى عليه إذا توفاه أضعاف أضعاف ما كان عليه في الدنيا من النعم التي لا يقدر قدرها إلا الله، مما أعده الله تعالى لعباده المؤمنين المتقين، وكل ما يناله العبد في الدنيا من النعم -وإن كان بعضها على يد مخلوق- فهو بإذن الله وإرادته وإحسانه إلى عبده.
فإن الله تعالى هو المحمود على النعم كلها، فهو الذي شاءها وقدرها وأجراها عن كرمه وجوده وفضله، فله النعمة وله الفضل، وله الثناء الحسن، قال تعالى:{وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ}[النحل:٥٣].
وقد يمنع تعالى عبده إذا سأله لحكمة وعلم بما يصلح عبده من العطاء والمنع، وقد يؤخر ما سأله عبده لوقته المقدر أو ليعطيه أكثر، فتبارك الله رب العالمين].
يعني: أن السائل لربه لن يخيب أبداً، إذا سأل ربه فلا بد له من إحدى ثلاث: إما أن تعجل له مسألته، وإما أن تدخر له في يوم هو أفقر منه إلى هذه المسألة، وإما أن يدفع عنه من الشر ما هو أعظم مما لو أعطيها، فهو لا يخلو من واحدة من هذه الأمور الثلاث.