للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أقسام الذين منعوا الأخذ من الكتاب والسنة]

إذاً: المعنى أنه يمتنع الأخذ من كتاب الله أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم على هذا! وعلى هذا يكون الناس قسمين: قسم: يقولون ذلك في مسائل الفقه الاجتهادية، فإذا جاء إنسان يستدل على مسأله اجتهادية بالدليل عابوا عليه وقالوا: أنت خالفت الأئمة خالفت قول الفقهاء خالفت الإمام فلاناً ونحن نأخذ بأقواله، مع أن الأقوال التي توجد الآن في كتب الفقه المتأخرة ليست أقوال الأئمة وإنما هي تفريعات عن أقوالهم وتخريجات لأصحابهم وقد يكونون متأخرين.

القسم الثاني: ما هو أشد من هذا وأعظم، وهم أصحاب الكلام الذين وضعوا كتباً صدوا بها الناس عن معرفة الله جل وعلا ووصفه بما وصف به نفسه وقالوا: لابد للإنسان أن يأخذ التوحيد من هذه الكتب ويسمونها علم الكلام أو علم التوحيد، وهي مبنية على آراء وقواعد قعدها أناس حسب آرائهم وعقولهم أو حسب المنطق اليوناني الذي أخذوه من كتب اليونان وغيرها، معرضين بذلك عما جاء في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ويقولون: إن الذي جاء في الكتاب والسنة نصوص ظاهره لا تدل على يقين وإنما تدل على ظنون، والظن لا يجوز أن يعمل به في مسائل الاعتقاد، بخلاف هذه القواعد التي نقعدها والكتب التي نؤلفها فإنها مبنية على العقليات والقطعيات! ويجعلون العقليات أموراً قطعية وهي في الواقع مبنية على قياس وشبه، ولا تزيد من تعمق فيها إلا شكوكاً وضلالة وبعداً عن الحق.

وبهذا صد الشيطان الناس عن الاهتداء بهدى الله جل وعلا الذي أنزله ليهتدي به الناس، وأخبر أنه هدى وشفاء لأمراض الشبهات والشكوك، وهدى لمن عمل به ليصل إلى الحق، أما هذه فهي بضد ذلك، وهذا أعظم مما ذكره المؤلف ولكنه يذكر الشيء الذي انتشر في وقته، فإن الشيخ رحمه الله لما دعا الناس إلى الأخذ بكتاب الله وسنة رسوله إذا بأناس يقولون: أنت خارج عن الإجماع وأنت جئت بمذهب خامس وأنت مخالف للأئمة، فإن هذه كتب الأئمة بيننا فليس فيها شيء مما تقوله، وهو يقول: قال الله وقال رسوله ولم يقل: هذا رأيي أو هذا رأي فلان وفلان.

وأما علم الكلام الذي يعتمده أصحابه ويصدون به عن كتاب الله فهذه عافى الله جل وعلا منه من قام بالدعوة فيهم، ولم تصل إليهم شبهات أولئك وإلا فأمرها شديد، ومع ذلك فقد بين أن هذا مما ينافي الإيمان بالله وبرسوله، وسيأتي في الباب الذي بعد هذا: أنه لابد من تحكيم رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل ما يطرأ للإنسان من خلاف أو من رأي أو غير ذلك، ولابد أن يرجع إلى حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلا لم يكن مؤمناً.

وهذه المسألة ليست من مسائل الخلاف أو من المسائل الفرعية التي يكون فيها سعة، ولكنها مسألة إيمان وكفر نسأل الله العافية، فإنه لابد من تحيكم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في كل شيء، هذا بالنسبة لأهل العلم الذين يدركون الدليل ويستطيعون أن يفهموا الأدلة.

أما بالنسبة لعامة المسلمين فليس هذا بلازم؛ لأنه لو كلف مثلاً غير طالب العلم أن يستنبط الأحكام من كتاب الله وسنة رسوله ما استطاع؛ لأن هذا ليس من شأنه، وإنما عليه أن يتابع العلماء وإذا أشكل عليه شيء يسألهم، والدليل على هذا قول الله جل وعلا: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:٤٣]، فجعل الواجب على الذين لا يعلمون سؤال أهل الذكر، وأهل الذكر: هم العلماء.

والكلام الذي ذكره الإمام أحمد يشير إلى هذا؛ لأنه قال: عجبت لقوم عرفوا الاسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان ويدعون الحديث، فمعنى ذلك: أن الذي ما عرف الإسناد ولا عرف صحة الإسناد يجوز له أن يذهب إلى قول فلان وفلان من العلماء ولكن العارف الذي عرف الإسناد لا يجوز له.