للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى الكفر بنعمة الله تعالى بعد معرفتها]

ومن باب التأدب مع الرب جل وعلا ألا يضيف الإنسان ما أنعم به على عبده إلى غيره، ولو كان ذلك سبباً لوجود تلك النعمة، فإنه لا يجوز إضافتها إلى ذلك السبب؛ لأن السبب مخلوق، والمخلوق ليس له في نفسه تصرف فضلاً عن أن يوجد له على غيره نعمة ولهذا عاب الله جل وعلا على الكفار أنهم يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها، وسواءٌ أكانت المعرفة جزئية أم كانت عامة، كما سيأتي في أقوال المفسرين في الآية، والصواب أنها عامة في جميع ما يكون فيه خير ونفع للإنسان، فيجب أن يكون مردها إلى الله، ثم يشكر الله جل وعلا عليها، وبذلك يكون الإنسان قد جاء بالمطلوب منه في مثل هذه الجزئية، ولا يكون داخلاً عليه النقص في إضافة النعم إلى غير الله جل وعلا فيكون كافراً بنعم الله ويدخل عليه الشرك الأصغر، وقد جاء في الحديث: (الشرك أخفى في هذه الأمة من دبيب النملة على الصخرة السوداء في ليلة ظلماء).

قال رحمه الله تعالى: [قال مجاهد ما معناه: هو قول الرجل: هذا مالي ورثته عن آبائي.

وقال عون بن عبد الله: يقولون: لولا فلان ما كان كذا.

وقال ابن قتيبة: يقولون: هذا بشفاعة آلهتنا].

هذه الأقوال متقاربة ومعناها واحد، وهو أن الإنسان إذا كان عنده مال قال: هذا مالي ورثته عن آبائي.

أو يقول: حصلت عليه بكسبي، أو بقوتي، أو بمعرفتي، أو بكوني أستطيع أن أتصرف أو ما أشبه ذلك.

أي: أن يضيف المال أو النعمة إلى غير الله فإنه يكون كافراً بنعمة الله بعد معرفته بأن الله هو الذي خلقه، وبأنه هو الذي يتصرف في الكون كله، فهذا معنى المعرفة، فمعناها أنه يعترف بأن الله هو المتصرف في كل شيء، والكفر معناه أن يضيف النعمة إلى السبب، بأن يقول: هذا بسبب كسبي أو بسبب معرفتي.

أو ورثته عن آبائي.

ويضيف المال إليه فيقول: مالي ورثته.

سواءٌ أقال: ورثته عن آبائي أم قال: حصلته بكسبي أو بمعرفتي.

وكذلك قولهم: إنها بشفاعة آلهتنا، كما قال ابن قتيبة.

يعني أن النعم حصلت بشفاعة الآلهة.

والآلهة صماء عمياء ليس لها تصرف، ولا تملك مع الله شيئاً، بل هو كفر بنعمة الله جل وعلا، بل هذا يكون من الكفر الأكبر؛ لأنهم أضافوا شفاعة الآلهة إلى الله جل وعلا مع أنه أبطلها، ومع أنه أخبر أنه لا يشفع أحد عنده إلا بإذنه تعالى وتقدس، والآلهة هذه لا تشفع، فشفاعتها باطلة.

والمقصود بالآلهة كل ما عبد من دون الله، وكل ما أله من دون الله، سواءٌ أكانت أصناماً، أم كانت قبور أولياء أم غير ذلك.

وكذلك قوله: لولا فلان لكان كذا.

ولولا فلان لحصل كذا وكذا، فإن هذا أيضاً من الشرك الخفي، وهو أيضاً من إضافة الشيء إلى غير الله جل وعلا.

كذلك كونه يجعل حصول الشيء بالسبب الذي عمله هو، فيقول مثلاً: ركبت سيارة جديدة وجئت بسرعة لأجل ذلك.

فيضيف النعمة التي أنعم الله عليه بها من السلامة والوصول بسرعة إلى السيارة وإتقانها، فهذا أيضاً من هذا النوع.

فيجب أن يضاف كل شيء يحصل له فيه نعمة إلى الله، وإن كان هناك سبب فالله جل وعلا هو الذي أوجده، ولو شاء لأبطل ذلك السبب وإن كان متقناً.