للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فضل الجهاد في سبيل الله]

قال الشارح رحمه الله: [قوله: (آخذ بعنان فرسه في سبيل الله): أي: في جهاد المشركين.

قوله: (أشعث) مجرور بالفتحة؛ لأنه اسم لا ينصرف للوصفية ووزن الفعل، و (رأسه) مرفوع على الفاعلية، وهو طائر الشعر، أشغله الجهاد في سبيل الله عن التنعم بالادهان وتسريح الشعر.

قوله: (مغبرة قدماه) هو بالجر، صفة ثانية لعبد].

يجب أن يكون (عبدٌ) مرفوعاً، ويكون (مغبرة قدماه) صفة للعبد، أقول: هذا هو الأقرب.

[قوله: (إن كان في الحراسة) هو بكسر الحاء أي: حماية الجيش عن أن يهجم العدو عليهم.

قوله: (كان في الحراسة) أي: غير مقصر فيها، ولا غافل، وهذا اللفظ يستعمل في حق من قام بالأمر على وجه الكمال.

قوله: (وإن كان في الساقة كان في الساقة): أي: في مؤخرة الجيش، أي: يقلب نفسه في مصالح الجهاد، فكل مقام يقوم فيه إن كان ليلاً أو نهاراً؛ رغبة في ثواب الله وطلباً لمرضاته، ومحبة لطاعته.

قال ابن الجوزي: وهو خامل الذكر لا يقصد السمو.

وقال الخلخالي: المعنى: ائتماره لما أمر، وإقامته حيث أقيم، لا يفقد من مقامه، وإنما ذكر الحراسة والساقة لأنهما أشد مشقة.

انتهى.

وفيه: فضل الحراسة في سبيل الله].

قد ورد في فضل الحراسة في سبيل الله أحاديث، ولكنها ليست على شرط الصحيحين منها: أن من حرس ليلة في سبيل الله فهي خير من ألف ليلة يقوم ليلها ويصوم نهارها، ويقول الحافظ: إن هذا الحديث رجاله ثقات إلا فلاناً وذكره.

وكذلك ورد: أن من حرس في سبيل الله لا تمسه النار، كذلك جاء نحو هذا في الرباط في سبيل الله، والمرابطة: هي لزوم الثغور في الأماكن المخوفة التي يتوقع أن يأتي منها العدو، ومعلوم أن الجهاد في سبيل الله مثلما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ذروة سنام الإسلام)، يعني: هو أرفع شيء في الأعمال، وإذا ترك الجهاد في سبيل الله عطل أموراً كثيرة، وأصبح دليلاً على ضعف المسلمين، بل وضعف الإسلام أيضاً كما هو الواقع اليوم، فإن المسلمين صاروا أكلة لأعدائهم، يريدون أن يأخذوا منهم ما أرادوا بدون خوف، ولا يردهم شيء عن ذلك، والسبب في هذا تقاعس المسلمين عما أمرهم الله جل وعلا به، وما حضهم عليه رسوله صلى الله عليه وسلم.

وقد سبق في الدرس الماضي الحديث الذي ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم: أنهم إذا تركوا الجهاد سلط الله عليهم ذلاً لا يرفع عنهم حتى يراجعوا دينهم وبهذا يتبين أن عز المسلمين في الجهاد، وفي التمسك بدينهم، وأنهم إذا أعرضوا عن دينهم ذلوا، ولابد أن يذلوا، والواقع شاهد بهذا، الواقع الذي ينظر إليه الإنسان من أول الإسلام إلى اليوم يشهد بهذا الأمر.

قال الشارح رحمه الله: [قوله: (إن استأذن لم يؤذن له)، أي: إذا استأذن على الأمراء ونحوهم لم يأذنوا له؛ لأنه لا جاه له عندهم ولا منزلة؛ لأنه ليس من طلابها، وإنما يطلب ما عند الله، لا يقصد بعمله سواه.

قوله: (وإن شفع) بفتح أوله وثانيه، (لم يشفع) بفتح الفاء مشددة يعني: لو ألجأته الحال إلى أن يشفع في أمر يحبه الله ورسوله لم تقبل شفاعته عند الأمراء ونحوهم.

وروى الإمام أحمد ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: (رب أشعث مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره)].

ليس معنى ذلك أنه يفعل ما يشاء، وأنه يقسم على الله ثم يطيعه الله، ولكن هذا عبد مطيع لله جل وعلا ممتثل لأمره، فإذا طلب من الله أعطاه، وطلبه لا يكون من باب الإدلال على الله، ولكنه من باب أنه عبده حقاً، فيطلبه من باب العبودية والذل والتعلق به وحده، فيعطيه مع ذله وخضوعه لربه جل وعلا واستكانته له، وليس الإقسام معناه: أنه الذي يأمر أمراً ملزماً فيعطيه ذلك، كما هو الواقع بين الخلق، هذا ليس المراد، بل المراد أنه مطيع لله، وإذا طلب من ربه شيئاً من باب الجزم والعزم فإنه يطلبه من باب الذل والخضوع والاستكانة لربه جل وعلا، فمعلوم أن الله جل وعلا إذا ذل له عبده وخضع له أعطاه ما يريد ولكن حسب مشيئته، فما أحد يلزم الله جل بشيء، لهذا يقول صلى الله عليه وسلم: (إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة ولا يقل: اللهم اغفر لي إن شئت، فإن الله لا مكره له)، أي: لا أحد يكرهه على شيء، والأمر كله بيده جل وعلا، يتصرف بخلقه كيف يشاء.

قال الشارح رحمه الله: [قال الحافظ: فيه ترك حب الرئاسة والشهرة، وفضل الخمول والتواضع.

انتهى].

هذا العبد الذي ذكر أنه أشعث رأسه إلى آخره، هذا من باب الثناء والمدح، فصار دليلاً على أن هذا أمر مطلوب، ينبغي للإنسان أن يطلب هذه الصفات حتى يتصف بها، فيكون عبداً لله جل وعلا.